الثاني : أنه منصوب على الحال من الفاعل أي صافحين.
الثالث : أن ينتصب على المصدر المؤكد لمضمون الجملة، فيكون عامله محذوفاً، نحو :﴿ صُنْعَ الله ﴾ [ النمل : ٨٨ ] قاله ابن عطية.
الرابع : أن يكون مفعولاً من أجله.
الخامس : أن يكون منصوباً على الظرف.
قال الزمخشري : و « صَفْحاً » على وجهين : إما مصدر من صَفَحَ عنه إذَا أعرض عنه، منتصب على أنه مفعول له، على معنى أَفَنَعْزِلُ عَنْكُمْ إنْزَالَ القُرْآنِ وإلزام الحجة به إعراضاً عنكم؟ وإما بمعنى الجانب من قولهم : نَظَرَ إلَيْهِ بصفح وجهه، وصفح وجهه بمعنى أفَنُنَحِّيهِ عَنْكُمْ جانباً؟ فينتصب على لاظرف، نحو : ضَعْهُ جانباً، وأمْش جنباً، وبعضده قراءة : صُفْحاً بالضم. يشير إلى قراءة حَسَّانِ بْنِ عبد الرحمن الضُّبَعيَّ وسُمَيْطِ بن عُمَر وشُبَيْل بن عَزرَةَ قرأوا : صُفْحاً بضم الصاد وفيه احتمالات :
أحدهما : ما ذكره من كونه لُغَةً في المفتوح، ويكون ظرفاً. وظاهر عبارة أبي البقاء أنه يجوز فيه ما جاز في المفتوح؛ لأنه جعله لغة فيه كالسَّدِّ والسُّدِّ.
والثاني : أنه جمع صَفُوحٍ، نحو : صَبُورٍ، وصُبْر، فينتصب حالاً من فاعل « يَضْرِبُ » وقدَّرَ الزمخشري على عادته فعلاً بين الهمزة والفاء، أي : أَنُهْمِلُكُمْ فَنَضْرِبُ. وقد تقدم ما فيه.
قوله :﴿ أَن كُنتُمْ ﴾ قرأ نافع والأَخَوَانِ بالكسر، على أنها شرطيه. وَإسْرَافُهُمْ كان مُتَحَقِّقاً و « إنْ » إنما تدخل على غير المُتَحَقّق أو المتحقق المبهم الزمان.
وأجاب الزمخشري : أنه من الشرط الذي يصدر عن المُدْلِي بصحة الأمر والتحقيق لثبوته كقوله الأجير :« إنْ كُنْتُ عَمِلْتُ لَكَ عَمَلاً فَوَفِّني حَقِّي »، وهو عالم بذلك، ولكنه تخيل في كلامه أن تفريطَك في إيصال حقي فعل من له شك في استحقاقه إيَّاه تجهيلاً لهم.
وقيل : المعنى على المُجَازَاة، والمعنى أفنضرب عنكم الذكر صفحاً متى أسْرَفْتُم، أي إنكم غير متروكمين من الإنذار متى كنتم قوماً مسرفين. وهذا أراد أبو البقاء بقوله : وقرىء : إن بكسرها على الشرط وما تقدم يدل على الجواب، والباقون بالفتح على العلة، أي لأَنْ كُنْتُمْ كقوله :

٤٣٩٠ أَتَجْزَعُ أَنْ بَانَ الخَلِيطُ المُوَدِّعُ ...........................
ومثله قوله :
٤٣٩١ أَتَجْزَعُ أَن أُذْنَا قُتَيْبَةَ جُزَّتَا ...........................
يروى بالكسر والفتح، وقد تقدم نحوٌ من هذا أول المائدة. وقرأ زيدُ بنُ عليّ : إذا بذالٍ عوضِ النون وفيها معنى العلة، كقوله :﴿ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾ [ آل عمران : ١٣٩ ].

فصل


قال الفارء والزجاج : يقال : ضَرَبْتُ عَنْهُ وأَضْرَبْتُ عَنْهُ. أي تَرَكْتُهُ ومَسَكْتُ عَنْهُ، وقوله :« صَفْحاً » أي إعراضاً، والأصل فيه : إنك تَوَلَّيْتَ بصَفْنحَةِ عُنُقِكَ. والمراد بالذكر عذابُ الله. وقيل : أفنرُدُّ عنكم النصائح والمراعظ والأعذار بسبب كونكم مسرفين، وقيل : أَفَنَرُدُّ عنكم القرآن، وهذا الاستفهام على سبيل الإنكار، والمعنى : أفنترك عنكم الوحي، ونمسك عن إنزال القرآن، فلا نأمركم ولا ننهاكم من أجل أنكم أسرفتم في كفركم وتركتم الإيمان؟ وهذا قول قتادةَ وجماعةٍ، قال قتادة : والله لو كان هذا القول رف ع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكموا، ولكن الله برحمته كرره عليهم ودعاهم إليه عشرين سنةً أو ما شاء الله.
وقيل : معناه أفنضرب عنكم بذكرنا إياكم صافحين مُعْرِضينَ. قال الكسائي : أفنطوي عنك الذّكْرَ طَيًّا، فلا تدعون ولا توعظون، وقال الكلبي : أَفَنَتْركُكُم سُدًى، لا نأمركم ولا نَنْهَاكُمْ. وقال مجاهد والسدي : أفَنُعْرِضُ عنكم ونترككم فلا نعاقبكم على كفركم.


الصفحة التالية
Icon