وقال عمرو بن معد يكرب :
٤٣٩٤ لَقَدْ عَلِمَ القَبَائِلُ مَا عُقَيْلٌ | لَنَا فِي النَّائِبَاتِ بِمُقْرِنِينَا |
٤٣٩٥ وابنُ اللَّبُون إذَا مَا لُزَّ فِي قَرَنٍ | لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القَنَاعِيسِ |
فصل
ومعنى الآية ليس عندنا من القوة والطاعة أن نقرن هذه الدابة والفلك، وأن نضبطها فسُبْحانَ مَنْ سَخَّر لنا هذا بقدرته وحكمته، روى الزمخشريّ عن النبي ﷺ « أنه كان إذا وضع رِجْلَهُ في الركاب، قال : بِسْم اللهِ، فإذا استوى على الدَّابَّةِ قال : الحَمْدُ لله على كل حال، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وَإنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ».
وروى عن عليٍّ أيضاً مثله وزاد : ثم حمَّد ثلاثاً، وكبَّر ثلاثاً، ثم قال : لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقيل : مما تضحك يا أمير المؤمنين؟ قال :« رأيت رسول الله ﷺ فَعَلَ ما فعلتُ، فقلنا : ما يضحكك يا نبيَّ الله؟ قال : العبدُ إذا قال لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي، إنه لا يفغر الذنوب إلا أنت بعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا هُوَ ».
فصل
دلت هذه الآية على خلاف قول المُجَبِّرة من وجوه :
الأول : أنه تعالى قال :« لِتَسْتَوُوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتكم عليه » فذكره بلام « كَيْ » وهذا يدل على أنه أراد منا هذا الفعل وهذا يدل على بطلان قولهم : إنه تعالى أراد الكفر منه.
الثاني : قوله « لتستوو » يدل على أن فعله معلّل بالأغراض.
الثالث : أنه تعالى بين أن خلق هذه الحيوانات على هذه الطبائع إنما كان لغرض أن يصدر الشكر عن العبد ولو كان فعل العبد فعلاً لله لكان معنى الآية إني خلقت هذه الحيوانات على هذه الطبائع لأجل أن أَخْلُقَ سُبْحَانَ الله في لسان العبد. وهذا باطل؛ لأنه تعالى قادر على أن يخلق هذا اللفظ في لسانه بدون هذه الوَسَائِطِ.
قال ابن الخطيب :« الكلام على هذه الوجوه معلوم مما تقدم فلا فائدة في الإعادة ».
قوله :﴿ وَإِنَّآ إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ ﴾ أي لمُصَيَّرُونَّ في المعاد. ووجه اتصال الكلام بما قبله أن راكب الفلك في خطر الهلاك وراكب الدابة كذلك أيضاً؛ لأن الدابة قد حصل لها ما يوجب هلاك الراكب، وكذا السفينة قد تنكسر، ففي ركوبهما تعريض النفس للهَلاَك فوجب على الراكب أن يتذكر أمر الموت، ويقطع أنه هالك، وأنه منقلب إلى الله، وغير منقلب من قَضَائِهِ وقدره، فإذا اتفق له ذلك ( المحذور ) كان قد وطن نَفْسَهُ على الموت.