قوله تعالى :﴿ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله ﴾ لما أورد على المشركين تلك الأدلة الدالة على إثبات إله العالم أمره بهذا القول؛ ليصرفهم عن عبادة الأوثان، وبين وجه النهي ف يذلك وهو ما جاءه من البينات، وهو ما تقدم من الدلائل على أن إله العالم قد ثَبَتَ كونُهُ موصوفاً بصفات الجَلاَل والعظمة على ماتقدم وصريحُ العقل يشهد بأن العبادة لا تليق إلا به، والأحجار المنحوتة والأخشاب المُصوَّرة لا تصلح أن تكون شريكاً له فقال : وأمرت أَنْ أُسْلِمَ لرب العالمين، وذلك حين دُعِيَ إلى الكفر.
قوله تعالى :﴿ هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ... ﴾ لما استدل على إثبات الإليهة بدليل الآفاق وذكر منها الليل والنهنار والأرض والسماء، ثم ذكر الدليل على إثبات الإله القادر بخلق الأنفس وهو نوعان : أحدهما : حسن العودة ورزق الطيّبات؛ ذكر النوع الثاني وهو : تكوين البدن من ابتداء كونه نُطفةً وجَنيناً إلى آخر الشَّيْخُوخَة والموت فقال :﴿ هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ﴾، قيل : المراد آدم. قال ابن الخطيب : وعندي لا حاجة إلى ذلك لأن كل غنسان فهو مخلوق من المَنِي ومن دَم الطَّمْثِ والمَنِي مخلوق من دم فالإنسان مخلوق من الدّم، والدم إنما يتولد من الأغذية والأغذية إما حيواينة وإما نباتية، والحال في ذلك الحيوان كالحال في تكوين الإنسان فكانت الأغذية إما حيوانية وإما نباتية، والحال في ذلك الحيوان كالحال في تكموين الإنسان فكانت الإذية كلها منتهية إلى النبات ولانبات إنما يكون من التراب والماء فثبت أن كل إنسان مُتَكَوِّن من التراب، ثم إن ذلك التراب يصير نطفةً ثم علقةً، ثم بعد كونه علقة مراتب إلى أن ينفصل من بطن ألأم. وا لله تعالى ترك ذكرها ههنا لأنه ذكرها في آيات أُخَر، قال :﴿ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ﴾ أي أطفالاً ﴿ ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ ﴾. ( قال الزمخشري : قوله : لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ) متعلق بفعل محذوف، تقديره ثم يبعثُكم لِتبلغُوا أَشُدَّكُمْ، ﴿ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ ﴾ أي : أن يصير شَيْخاً، أو من قبل هذه الأحوال إذا خرج سَقْطاً ثم قال :﴿ ولتبلغوا أَجَلاً مُّسَمًّى ﴾ أي ولتبغلوا جميعاً ﴿ أَجَلاً مُّسَمًّى ﴾ وقتاً محدوداً لا تُجَاوِزُونَه وهو وقت الموت. وقيل : يوم القيامة، ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ أي لكي تعقلوا توحيد ربكم وقدرته وتستدلوا بهذه الأحوال العجيبة على وحدانية الله تعالى.
ثم قال :﴿ هُوَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ ﴾ والمعنى أنه تعالى لما ذكر انتقال الأجسام من كونها تراباً إلى أن بلغت الشيخوخة، واستدل بهذه التغييرات على وجود الإله القادر قال بعده :﴿ هُوَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ أي كما أن الانتقال من الحياةِ إلى الموت وبالعكس، يدل على الإله القادر.