« فَإِذْ » بدل من « اليوم » حتى كأنه مستقبل، أو كأن اليوم ماض.
وإلى هذا نحا الزمخشري، قال :« وإذْ بدل من اليوم » وحمله الزمخشري على معنى إذ تَبَيَّنَ وصح ظلمكم ولم يبق لأحدٍ لكم شُبْهَة في أنكم كنتم ظالمين ونظيره :
٤٤٠٨ إِذَا انتَسَبْنا لَمْ تَلِدْنِي لئيمةٌ | ..................... |
قال أبو حيان : ولا يجوز البدل ما دامت إذ على موضوعها من المُغَيَّا فإن جعلت لمطلق الزمان جاز.
قال شهاب الدين :« لم يُعْهد في إذ أنها تكون لمطلق الزمان بل هي موضوعة لزمان خاص بالمضي كَأَمْسِ.
الثاني : أن في الكلام حذفل مضاف تقديره :» بَعْدَ إِذْ ظَلَمْتُمْ «.
الثالث : أنها للتعليل، وحينئذ تكون حرفاً للتعليل كاللاّم.
الرابع : أن الفاعل في » إذ « هو ذلك الفاعل المقدر، لا ضميره، والتقدير : ولن يَنْفَعَكُمْ ظلمُكُم أو جُحُودكم إذْ ظَلَمْتُمْ.
الخامس : أن العامل في إذْ ما دل عليه المعنى كأنه قال : ولكن لن ينفعكم اجتماعُكُمْ إذْ ظَلَمْتُمْ. قاله الحَوْفيُّ. ثم قال : وفاعل ينفعكم الاشتراك انتهى.
وظاهر هذا متناقض، لأنه جعل الفاعل أولاً اجتماعكم ثم جعله أخِراً الاشتراك. ومنع أن يكون » إذْ « بدلاً من » اليوم « لِتَغَايُرِهما في الدَّلالة.
وفي كتاب أبي البقاء : وقيل : إذْ بمعنى » إنْ « أي إن ظلمتم. ولم يقيدها بكونها أَن بالفتح أو الكسر. ولكن قال أبو حيان :» وقيل : إذ للتعليل حرف بمعنى أَنْ، يعني بالفتح. وكأنه أراد ما ذكره أبو البقاء إلا أن تسميته « أَنْ » للتعليل مجازاً، فَإِنَّها على حذف حرف العلة أي لأَنْ، فلمصاحبتها لها والاستغناء بها عنها سمَّاها باسمها. ولا ينبغي أن يعتقد أنها في كتاب أبي البقاء بالكسر على الشرطية، لأن معناه بعيدٌ.
وفي كتاب مجاهِدٍ : أن ابن عامر قرأ : إنكم بالكسر، على الاستئناف المفيد للعلة وحينئذ يكون الفاعل مضمراً على أحد التقادير المذكورة.
فصل
المعنى :﴿ وَلَن يَنفَعَكُمُ اليوم ﴾ في الآخرة « إذْ ظَلَمْتُمْ » أشركتم في الدنيا ﴿ أَنَّكُمْ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ ﴾ أي لا ينفعكم الاشتراك في العذاب ولا يخفف الاشتراك عنكم؛ لأن لكل واحد من الكفار والشياطين الحَظَّ الأوفر من العذاب. وقال مقاتل : لن ينفعكم الاعتذار والندم اليومَ، فأنتم وقرناؤكم اليوم مشتركون في العذاب، كما كنتم في الدنيا تشتركون. واعلم أنه تعالى بين أن الشركة في العذاب لا تفيد التخفيف، كما كان يفيده في الدنيا، والسبب فيه وجوه :
الأول : أن ذلك العذاب الشديد عظيم، واشتغال كل واحد بنفسه يذهله عن حال الآخر، فلا جَرَمَ لم تفد الشركة خفةً.
الثاني : إذا اشترك الأقوام في العذاب، أعان كل واحد منهم صاحبه بما مقدر عليه ليحصل بسببه بعض التخفيف. وهذا المعنى متبدّد في القيامة.