قوله :﴿ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ ﴾ قد تقدم الكلام عليه قريباً، والمعنى فَإِمَّا تَذْهَبَنَّ بك بأَنْ نُمِتَكَ قبل أن تعذبهم ﴿ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ ﴾ بالقتل بعدك، ﴿ أَوْ نُرِيَنَّكَ ﴾ في حياتك ﴿ الذي وَعَدْنَاهُمْ ﴾ من العذاب، ﴿ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ ﴾ قادرون متى نشاء عذبناهم وأراد به مشركي مكة، انتقم منهم يوم بدر هذا قول أكبر المفسرين. وقال الحسن وقتادة : عَنَى به أهل الإسلام من أمة محمد ﷺ وقد كان بعد النبي ﷺ نقمة شديدة في أمته فأكرم الله تعالى نبيه وذهب به ولم يره في أمته إلا الذي تَقَرُّ عينه، وأبقى النقمة بعده وروي أن النبي ﷺ أُرِيَ ما يصب أمَّتَهُ بعده فما رؤي ضاحكاً منبسطاً حتى قبضه الله تعالى. وقرىء « نُرَِنْكَ » بالنون الخفيفة.
قوله تعالى :﴿ فاستمسك بالذي أُوحِيَ إِلَيْكَ ﴾ العامة على أوحي منبياً للمفعول مفتوح الياء وبعض قراء الشام سكنها تخفيفا، والضحاك : مبنياً للفاعل وهو الله تعالى.
فصل
لما بين له ما يوجب التسلية أمره أن يتمسك بما أمره الله تعالى به فاستمسك بالذي أوحي إليك بأن تعتقد أنه حق، وبأن تعمل بموجبه، فإنه الصراط المستقيم الذي لا يميل عنه إلا ضالّ في الدين. ولما بين تأثير التمسك بهذا الدين في منافع الآخرة بين أيضاً تأثيره في منافع الدنيا فقال :﴿ وإنه لذكر لك ولقومك ﴾ أي أنه يعني القرآن « لذكر لك » لشرف لك « ولقومك » من قريش نظيره :« لقد أنزلنا إليكم كِتَابَ فِيه ذِكْرُكُمْ » شرفكم وأنه يوجب الشرف العظيم لك ولقومك، حيث يقال : إن هذا الكتاب العظيم أنزله الله تعالى لقوم من هؤلاء.
وهذه الآية تدل على أن الإنسان لا بد وأن يكون عظيم الرغبة في الثناء الحسن والذكر الجميل ولو لم يكن الذكر الجميل أمراً مرغوباً فيه لما مَنَّ اللهُ تعالى به على محمد ﷺ فقال :﴿ إنه لذكر لك ولقومك ﴾ وَلَم طلبه إبراهيم ﷺ حيث قال :﴿ واجعل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين ﴾ [ الشعراء : ٨٤ ] ولأن الذكر الجميل قائمٌ مقامَ الحياة الشريفة، بل الذكر أفضل من الحياة؛ لأن أثر الحياة لا يحصل إلا في مسكن ذلك الحي، وأما أثر الذكر الجميل فإن يحصل في كل زمان وكل مكان ثم قال تعالى :﴿ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ قال الكلبي : تسألون هل أديتم شكر إنعامنا عليكم بهذا الذكر الجميل. وقال مقاتل : يقال لمن كذب به : لِمَ كَذَّبْتَ؟ فيسأل سؤال توبيخ.
وقيل : تسألون هل علمتم بما دل عليه القرآن من التكاليف. وروى الضحاك عن أبي عباس ( رضي الله عنهم )، أن النبي ﷺ كان إذا سئل لمن هذا الأمر؟ لم يخبر بشيء حتى نزلت هذه الآية، فكان بعد ذلك إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك؟ قال لقُرَيْشٍ.