قوله تعالى :﴿ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أن من موصولة، وهي مفعولة للسؤال، كأنه قيل : و أسْأَل الذي أرسلناهُ من قبلك عَمَّا اُرْسِلُوابه، فإنهم لم يرسلوا إلا بالتوحيد.
الثاني : أنه على حذف حرف الجر على أنه المسؤول عنه والمسؤول الذي هو المفعول الأول محذوف تقديره واسْأَلْنَا عَمَّنْ أَرْسَلْنَاهُ.
الثالث : أن من استفهامية، مرفوعة بالابتداء، و « أرسلنا » خبره والجملة معلقة للسؤال فيكون في محل نصب على إسقاط الخافض.
وهذا ليس بظاهر بل الظاهر أن المعلق للسؤال إنما هو الجملة الاستفهامية من قوله :« أَجَعَلْنَا ».
فصل
اختلف في هؤلاء المسؤولين، فروى عطاء عن ابن عباس ( رضي الله عنهم ) قال :« لما أُسْرِيَ بالنَّبِي ﷺ إلى المسجد الأقصى بعث له آدم وولده من المرسلين فَأّذَّنَ جبْريلُ ثم أقام وقال : يا محمد تقدم فصل بهم، فلما فرغ من الصلاة قال له جبريل : سل يا محمد من أرسلنا من قبلك من رسلنا... الآية. فقال رسول الله ﷺ لا أسأل قد اكتفيت، وليست شَاكاً فيه » وهذا قول الزهري، وسعيد بن جبير، وابن زيد؛ قالوا : جمع له الرسل ليلة أسري به وأمر أن يسألهم، فلم يسأل ولم يشك.
وقال أكثر المفسرين : سَلْ مُؤْمِني أهْلِ الكتاب الذين أرسلت إليهم الأنبياء هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد، وهو قول ابن عباس في سائر الروايات ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي والحسن، ويدل عليه قراءة عبدالله وأبي : واسأل الذين أرسلنا إليهم قَبْلَك مِنْ رُسُلِنَا ومعنى الأمر بالسؤال التقرير لمشركي قريش أنه لم يأت رسوله بعبادة غير الله تعالى.
وقال عطاء سؤال الأنبياء الذين كانوا قبله ممتنع، فكأن المراد منه : انظر في هذه المسألة بعقلك وتدبرها بفهمك.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى ﴾ لما طعن كفار قريش في نبوة محمد ﷺ بكونه فقيراً، عديم المال والجاه بين الله تعالى أن موسى ﷺ بعد أن أورد المعجزاتِ القاهرة التي لا يشك في صحتها عاقل، أورد عليه فرعونُ هذه الشبهة التي ذكرها كفار قريش فقال : إنه غَنِيٌّ كثيرُ المالِ والجاهِ، ألا ترون أني حصل لي ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحتي، وأما موسى فإنه فقير مهين، وليس له بيانٌ ولسان، والرجل الفقير كيف يكون رسولاً من عند الله الملك الكبير؟!.
فثبت أن هذه الشبهة التي ذكرها كفار قريش بمكة، وهي قولهم :﴿ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ ﴾ [ الزخرف : ٣١ ] قد أوْرَدَهَا بعينها فرعون على موسى « ثم انتقمنا منهم فأغرقناهم » : فيكو الأمر ف يحق أعدائك هكذا.