قال أبو حيان : وهذا متكلف جداً، إذ المعادل إنما يكون مقابلاً للسابق فإن كان المعادل جملة فعلية، كان السابق جملة فعلية، أو جملة إسمية يتقدر منها جملة فعلية، كقوله :﴿ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٩٣ ] ؛ لأن معناه أو صمتُّم وهنا لا يتقدر منها جملة فعلية لأن قَوْلَهُ :﴿ أَمْ أَنَآ خَيْرٌ ﴾ ليسي مقابلاً لقوله : أفَلا تُبْصِرُونَ، وإن كان السابق اسماً كان المعادل اسماً أو جملة فعلية يتقدر منها اسم نحو قوله :
٤٤١٣ اَمُخْدَجُ اليَدَيْنِ أَمْ أَتَمَّتِ؟... « فأتمت » معادل للاسم والتقدير : أم مُتِمًّا؟.
قال شهاب الدين : وهذا الذي رده على الزمخشري رده على سيبويه، لأنه هو السابق به وكذا قوله أيضاً : إنه لا يحذف المعادل بعد « أم » وبعدها « لا » فيه نظر في تجويز سيبويه حذف المعادل دون لا فهو رد على سيبويه أيضاً.
قوله :« ولا يكاد يبين » هذه الجملة يجووز أن تكون معطوفة على الصلة وأن تكمون مستأنفة وأن تكون حالاً. والعامة على يُبِينُ من أَبَانَ، والباقون : يَبِينشُ بفتح الياء من بَانَ أي ظَهَرَ.

فصل


قال أكثر المفسرين :« أم » هنا بمعنى « بل » وليس بحرف عطف. قال الفراء : الوقف على قوله أم وفيه إضمار مجارز ( ه ) أفلا تُبْصِرُونَ أَمْ تُبْصِرُونَ؟ لكنه اكتفى بلفظ « أم » كما تقول لغيرك :« أَتَأْكُلُ أَمْ » أي أَتَأْكُلُ أَمْ لاَ تَأْكُلُ؟ لكنك تقتصر على كلمة أم اقتصاراً.
قال أبو عُبَيْدَة : معناها بل أنا خير، وعلى هذا فقد تم الكلام عند قوله : أفلا تبصرون. ثم ابتدأ فقال : أم أنا خير، يعنى بل أنا خير. وقال الباقون أم هذه متصلة، لأن المعنى أفلا تُبْصرُونَ أَمْ تُبْصُرونَ؟ إلا أنه وضع قوله :« أنا خير » موضع :« تبصرون »، لأنهم إذا قالوا له : أََنْتَ خَيْرٌ فَهُمْ عِنْدَهُ بُصَراءُ.
قوله :﴿ مِّنْ هذا الذي هُوَ مَهِينٌ ﴾ أي ضعيف حقير يعني موسى ﴿ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ ﴾ أَيْ يُفْصِحُ لسانُهُ لرُتّةٍ كَانَتْ فِي لِسَانِهِ.
فإن قيل : أليس أن موسى ﷺ سئأل الله أن يُزيل الرُّتةَ عن لسانه بقوله :﴿ واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي ﴾ [ طه : ٢٧، ٢٨ ] فأعطاه الله ذلك بقوله تعالى :﴿ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى ﴾ [ طه : ٣٦ ] فكيف عابه فرعون بتلك الرُّتةِ؟!.
فالجواب من وجهين :
الأول : أن فرعون أراد بقوله :« ولا يكاد يبين » حجته التي تدل على صدقه، ولم يرد أنه لا قدرة له على الكلام.
والثاني : أنه عابه بما كان عليه أولاً، وذلك أن موسى ﷺ مكث عند فرعون زماناً طويلاً، وكان في لسانه حبسة فنسبه فرعون إلى ما عهد عليه من الرُّتةِ؛ لأنه لم يعلم أن الله تعالى أزال ذلك العيب عَنْهُ.


الصفحة التالية
Icon