قوله :« فَلاَ تَمْتَرُونَّ » من المِرية وهي الشك أي لا تَشُكُّنَّ فيها. قال ابن عباس ( رض يالله عنهما ) لا تكذبوا بها « واتَّبِعُونِي » على التوحيد « هَذَا » الذي أنا عليه « صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ».
« وَلاَ يَصُدُّنَّكُمْ » لا يصرفنكم « الشَّيْطَانُ » عن دين الله ﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ قد بانت عداوته لكم لأجل أنه أخرج أبويكم من الجنة، ونزع عنهما لباس النور.
قوله تعالى :﴿ وَلَمَّا جَآءَ عيسى بالبينات ﴾ أي بالمعجزات وبالشرائع البينات الواضحات ﴿ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة ﴾ وهي النبوة. وقيلأ : معرفة ذات الله وصفاته وأفعاله ﴿ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ﴾ من أحكام التوراة.
قال قتادة : يعني اختلاف الفرق الذين تحزّبوا في أمر عيسى. قال الزجاج : الذي جاء به عيسى في الإنجيل إنما هو بعض الذي اختلفوا فيه فبين لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه.
وقيل : كانوا قد اختلفوا في أشياء من أحكام التكاليف، واتفقوا على أشياء فجاء عيسى ليبين لهم الحقَّ في تلك المسائل الخلافية.
قال ابن الخطيب : وبالجملة فالحكمة معناها أصول الدين، وبعض الذي يختلفون فيه معناه فروع الدين.
فإن قيل : لِمَ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ كُلَّ الذي يختلفون فيه؟
فالجواب : لأن الناس قد اختلفوا في أشياء لا حاجة لهم إلى معرفتها فلا يجب على الرسول بيانُهَا. ولما بين لهم الأصول والفروع قال :« فَاتَّقُ ا اللهَ » من الكفر والإعراض عني دينه « وَأطِيعُوهُ » فيما أبلغه إليكم من التكاليف، ﴿ إِنَّ الله هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ، فاختلف الأحزاب ﴾ أي الفرق المتحزبة بعد عيسى وهم الملكانيّة واليعقوبية والنسطورية، وقيل : اليهود والنصارى ﴿ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ ﴾ وهو وعيد يوم الأحزاب.
فإن قيل : الضمير في قوله « بَيْنَهُمْ » إلى من يرجع؟
فالجواب : إلى الذي خاطبهم عيسى في قوله :﴿ قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة ﴾ وهم قومه.


الصفحة التالية
Icon