وتقدم الخلاف في قراءتي « وَلَد » و « ولد » في مَرْيَمَ. ثم إن تعالى نزه نفسه فقال :﴿ سُبْحَانَ رَبِّ السماوات والأرض رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ أي عما يقولون من الكذب وذلك أ، إله العالم يجب أن يكون واجب الوجود لذاته، وكلّ ما كان كذلك فهو لا يقبل التَّجْزِيءَ بوجه من الوجوه، والولد عبارة أن ينفصل عن الشيء جزءٌ فيتولد عن ذلك الجزء شخص مثله، وهذا إنما يعقل فيما تكون ذاته قابلة للتَّجْزِيء والتبعيض، وإذا كان ذلك مُحَالاً في حق إله العالم امتنع إثباتُ الولد.
ولما ذكر هذا البرهان القاطع قال :﴿ فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ ﴾ أي يخوضوا في باطلهم، ويلعبوا في دنياهم ﴿ حتى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الذي يُوعَدُونَ ﴾ يعنى يوم القيامة. والمقصود منه التهديد، يعني قد ذكرت الحجة على فساد ما ذكروا، فلم يلتفتوا إليها، لأجل استغراقهم في طلب المال والجاة، والرياسة، فاتركهم في ذلك الباطل، واللعب حتى يصلوا إلى ذلك اليوم الموعود.
قوله :« يُلاَقُوا » قراءة العامة من المُلاَقَاةِ. وابنُ مُحَيْصِن ويروى عن ابن عمرو « يَلْقُوا » من « لَقِِيَ ». قوله ( تعالى ) :﴿ وَهُوَ الذي فِي السمآء إله ﴾ « في السماء » متعلق ب « إله » لأنه بمعنى معبود في السماء معبود في الأرض، وحينئذ فيقال :( إنَّ ) الصلة لا تكون إلا جملة، أو ما في تقديرها وهو الظرف وعديله. ولا شيء منها هُنَا.
والجواب : أن المبتدأ حذف لدلالة المعنى عليه، ولأن المحذوف هو العائد، تقديره : وَهُوَ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ إلهُ، وَهُوَ فِي الأَرْضِ إلَهُ، وإنما حذف لطول الصلة بالمعممول، فإن الجار متعلق « بإلَهٍ » ومثله : مَا أَنَا بالَّذِي قَائِلٌ لَكَ سُوءاً وقال أبو حيان : وحسنه طوله بالعطف عليه كما حسن في قولهم :« قَائِلٌ لَكَ شَيْئاً » طولُه بالمعمول.
قال شهاب الدين : حصوله في الآية، وفيما حكاه سواء، فإن الصلة طالت بالمعمول في كليهما والعطف أمر زائدٌ على ذلك، فهو زيادة في تحسين الحذف. ولا يجوز أن يكون الجارُّ خبراً مقدماً و « إله » مبتدأ مؤخراً، لئلا تَعْرَى الجملةُ من رابطٍ؛ إذ يصير نظير « جَاءَ الَّذِي فِي الدَّارِ زَيْدٌ » فإن جعلت الجار صِلةً، وفيه ضمير عائد على الموصول وجلعت « إله » بدلاً منه، فقال أبو البقاء :« جاء على ضعفه؛ لأن الغرض الكلي إثبات الإلهية، لا كونه في السموات والأرض فكان يفسد أيضاً من وجه آخر، وهو قوله :﴿ وَفِي الأرض إله ﴾ ؛ لأنه معطوف على ما قبله، وإذا لم يقدر ما ذكرنا صار منقطعاً عنه، وكان المعنى أنه في الإرض إله ».