واحتج الآخرون على أنها ليلة النصف من شعبان بأنها لها أربعة أسماء : الليلة المباركة، وليلة البراءة، وليلة الصَكّ، وليلة الرحمة، ولأنها مختصة بخمسِ خصالٍ : الأولى : قال تعالى :﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ والثانية : فضيلة العبادة فيها، وقال رسول الله ﷺ « مَنْ صَلَّى فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَرْسَلَ اللهُ تعالى إليه مائةَ مَلَكٍ، ثلاثونَ يبشرونَه بالجنةِ، وثلاثونَ يُؤَمِّنُونَهُ من عذاب النار، وثلاثونَ يدْفَعُونَ عنه آفاتِ الدنيا وعشرةٌ يدفعون عنه مكايدَ الشيطان » الثالثة : نزول الرحمة قال ﷺ « إنَّ اللهَ يَرْحَمُ أُمَّتِي فِي هَذِنِ اللَّيلَةِ بعَدَدِ شَعْرِ أَغْنَام بَنِِي كَلْبٍ » الرابعة : حصول المغفرة قال ﷺ :« إنَّ اللهَ يَغْفِرُ لِجَمِيعِ المُسْلمِينِ في تلك الليلة إلا الكاهنَ، والمشاحنَ ومُدْمِنَ الخمر وعاقَّ والديه والمصرَّ على الزنا » والخامسة : أنه تعالى أعطى رسول الله ﷺ في هذه الليلة تمام الشّفاعة وذلك أنه سأل في الليلة الثالثةَ عَشَرَ الشفاعة في أمته فأعطي الثُّلُثَ منها ثم سأل الليلة الرابِعَةَ عَشَرَ فأعطِي الثُلْثَينِ ثم سأل ليلةَ الخامس عشرة فأعطي جميعَ الشفاعة إلا من شَرَدَ عن الله شِرَادَ البَعِيرِ، نقله الزمخشري.

فصل


رُوِيَ أن عطية الحَرُورِيَّ سأل ابن عباس ( رضي الله عنهم ) عن قوله :﴿ إنَّا أنزلناه في ليلة مباركة ﴾ وقوله :﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر ﴾ [ القدر : ١ ] كيف يصح ذلك مع أن الله تعالى أنزل القرآن في جميع الأيام؟.
فقال ابن عباس : يا ابن الأسود لو هكلتُ أنا ووقع في نفسك هذا، ولم تجد جوابه لهلكت، نزنل القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت المعمور في السماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك في أنواع الوقائع حالاً فحالاً. قال قتادة وابن زيد : أنزل الله القرآن في ليلة القدر من أم الكتاب إلى السماء الدنيا، ثم انزل به جبريلُ على النبي ﷺ نجوماً في عشرينَ سنةً.
قوله :﴿ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ يعني إن الحكمة في إنزال القرآن أن إنذارَ الخلق لا يتم إلا به.
قوله :« فِيهَا » أي في الليلة المباركة « يُفرقُ » يُفصَلُ ﴿ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ محكم ومعناه ذو الحكمة، وذلك لأن تخصيص الله تعالى كل واحد بحالة معينة من الأجل والرزق والسعادة والشقاوة يدل على حكمة بالغة لله تعالى، فلما دلت تلك الأقضية على حكمة فاعلها، وصفت بكونها حكمة، وهذا إسناد مجازيّ لأن الحكيم صفة صابح الأمر على الحقيقة، ووصف الأمر به مجاز. قال ابن عباس : يكتب في أم الكتاب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير، والشر، الأرزاق، والآجال حتى الحُجَّاج يقال : يَحُجُّ فلانٌ ويَحُجُّ فلان.


الصفحة التالية
Icon