، وذَكَر منها طلوعَ الشمسِ من مَغْرِبَها، والدُّخَانَ والدابةَ، رواه الحسن.
واحتج الأولون بأن الله تعالى حكى عنهم أنهم يقولون : ربنا اكشف عنّا العذاب إنا مؤمنون. فإذا حملناه على القحط الذي وقع في مكة استقام فإنه نقل أن الأمر لما اشتد على أهل مكة مَشَى إليه أبو سفيان فناشده الله والرَّحم وواعده إن دعا لهم وأزال الله عنهم تلك البليّة أن يؤمنوا به، فلما أزاله الله عنهم رَجَعُوا إلى شركهم، أما إذا حملناه على أن المراد منه ظهور علامة من علامات القيامة لم يصح ذلك؛ لأن عند ظهور علامات القيامة لا يمكنهم أن يقولوا : ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، ولم يصح أيضاً أن يقال لهم :﴿ كَاشِفُو العذاب قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ ﴾.
فصل
ظاهر الحال أنه دخان يغشى الناس أَيْ يشملهم وهو في محل جر صفة ثانية أي بدُخَان مبينٍ غَاشٍ وقوله :﴿ اذا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ في محل نصل بالقول، وذلك القول حال أي قائلين ذلك. ويجوز أن لا يكون معمولاً لقول ألبتة، بل هو مجرد إخبار. قال الجُرْجَانِي صاحب النظم : هذا إشارة إليه، وإخبار عن دُنُوِّه واقترابه كما يقال : هذا العدنو فاستقبله، الغرض منه التنبيه على القرب.
قوله :﴿ ربنا اكشف عنا العذاب ﴾ إن أضمرنا القول هناك ( فالتقدير : يقولون هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنّا العذاب، وإن لم يضمر القول هناك ) أضمرناه ههنا، و « العذاب » على القول الثاني الدخان المهلك « إنَّا مؤمنون » أي بمحمد وبالقرآن والمراد منه الوعد بالإيمان إن كشف عنهم العذاب.
قوله :﴿ أنى لَهُمُ الذكرى ﴾ يجوز أن يكون « إني : خبراً لذكرى، و » لهم « تبيين، ويجوز أن يكون » أنى « منصوباً على الظرف بالاستقرار في لَهُم، فإن » لهم « وقع خبراً لذكرى.
قوله :» وَقَدْ جَاءَهُمْ « حال من » لَهُمْ « والمعنى كيف يتعظون أي من أين لهم التذكرة والاتِّعاظُ وقد جاءهم ماهو أعظم وأدخل في وجوب الطاعة، وهو » رسول مبين « ظاهر الصدق يعني محمداً ﷺ وما ظهر عليه من المعجزات، ﴿ ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ ﴾ أعرضوا عنه، ولم يتلفتوات إليه ﴿ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ ﴾ وذلك أن كفار مكة منهم من كان يقول : إن محمداً يتعلم هذه الكلمات من بعض الناس، ولقولهم :﴿ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ﴾ [ النحل : ١٠٣ ] وقوله :﴿ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ﴾ [ الفرقان : ٤ ] ومنهم من كان يقول : إنه مجنون، والجن يلقون عليه هذه الكلمات حال ما يعرض له الغُشْي. وقرأ زيد بن علي معلم بكسر اللام قوله :» إنا كاشفوا العذاب قليلاً « أي عذاب الجوع :» قليلاً « نعت لزمان، أو المصدر محذوف أي كشفوا قليلاً، أو زماناً قليلاً، يعني يسيراً » إنكم عائدون « أي كما نكشف العذاب عنكم تعودون في الحال إلى ما كنتم عليه من الشرك.