قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بني إِسْرَائِيلَ مِنَ العذاب المهين ﴾ وهو قتل الأبناء واستحياء النساء والتعب في العمل. واعلم أن رفع الضرر مقدم على إيصال النفع، فبدأ تعالى ببيان رفع الضرر عنهم فقال :﴿ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بني إِسْرَائِيلَ مِنَ العذاب المهين ﴾.
قوله :« من فرعون » فيه وجهان :
أحدهما : أنه بدل من « العذاب »، إمَّا على حذف مضاف، أي من عَذَابِ فِرْعَوْنَ، وإما على المبالغة جعل نفس العذاب، فأبدله منه.
والثاني : أنه حال من العذاب تقديره : صادراً مِنْ فِرْعَوْنَ. وقرأ عبدالله : مِنْ عَذَاب المُهِينِ، وهي من إضافة الموصوف لصفته، إذ الأصل : العذاب المهين كالقراءة المشهورة. وقرأ ابن عباس ( رضي الله عنهما ) مَنْ فِرْعَوْنُ؟ بفتح الميم « من » ورفع فرعون على الابتداء والخَبَر، وهو استفهام تحقير، كقولك : مَنْ أَنْتَ وَزَيْداً؟ ثم بين حالة بالجملة بعد قوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ المسرفين ﴾. والتقدير : هل تعرفون من هو في عُتُوه وشَيْطَنَته؟ ثم عرف حاله بقوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ المسرفين ﴾ أي كان عالي الدرجة في طبقة المسرفين، ويجوز أن يكون المراد إنه كان عالياً كقوله :﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرض ﴾ [ القصص : ٤ ] وكان أيضاً مسرفاً ومن إسرافه أنه كان على حقارته وخسته ادَّعى الإلهية. ولما بين الله تعالى ( أنه ) كيف دفع عن بني إسرائيل الضرر، بين أنه كيف أوصل إليهم الخيرات فقال :﴿ وَلَقَدِ اخترناهم على عِلْمٍ عَلَى العالمين ﴾ والمراد اخترنا مؤمني بني إسرائيل على عالَمِي زمانهم.
قوله :« على علم » متعلقة بمحذوف، لأ، ها حال من الفاعل في « اخترناهم » و « على العالمين »، متعلقة باخترناهم. وفي عبارة أبي حيان : أنه لما اختلف مدلولهما جاز تعلقهما باخترنا، وأنشد على ذلك ( الشاعر ) ( رحمقُ اللهِ عَلَيْهِ ) :

٤٤٣٩ وَيَوْماً عَلَى ظَهْرِ الكَثِيبِ تَعَذَّرَتْ عَلَيَّ وآلَتْ حَلْفَةً لَمْ تُحَلَّلِ
ثم قال : ف « على علم » حال إما من الفاعل، أو من المفعول، و « على ظهر » حال من الفاعل في « تعذرت » والعامل في الحال هو العامل في صاحبها. ( وفيه نظر، لأن قوله أولاً : ولذلك تعلقا بفعل واحد لما اختلف المدلول ينافي جعل الأولى حالاً، لأنها لم تتعلق به، وقوله : والعامل في الحال هو العامل في صاحبها ) لا ينفع في ذلك.

فصل


قيل : هذه الآية تدل على كونهم أفضل من كل العَالَمِينَ. وأجيب : بأن المراد على عَالَمِي زَمَانِهِمْ وقيل : هذا عام دخله التخصيص. كقوله :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [ آل عمران : ١١٠ ].
قوله :﴿ وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الآيات ﴾ مثل فَلْق البحر، وتَظْلِيلِ الغمام وإنزال المَنِّ والسَّلوَى، والنِّعم التي أنعمها عليهم. وقال ابن زيد : ابتلاهم بالرخاء والشدة، وقرأ :﴿ وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً ﴾ [ الأنبياء : ٣٥ ] ؛ لأنه تعالى كما بلو بالمحنة فقد يبلو أيضاً بالنعمة، ليتميز به الصديق على الزِّنديق. وههنا آخر الكلام على قصة موسى عليه الصلا ة والسلام.


الصفحة التالية
Icon