قوله :« خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ » قرأ نافعٌ وابنُ كثير وابنُ عامر بضم تاء اعتلوه والباقون بكسرها وهما لغتان في مضارع « عَتَلَهُ » أي ساقه بجَفَاءٍ، وغِلْظَة، كعَرَشَ، يَعْرِشُ، ويَعْرُشُ. والعُتُلُّ : الجَافِي الغَليِظُ قالت اللَّيْثُ : العَتْلُ أن تأخذ تَلْبِيب الرجل فتقتله، أي تَجُرُّه إليك، وتذهب به إلى حَبْسٍ أو محنةٍ. وأخذ فلان بزمام الناقة يَعْتِلُهَا، وذلك إذا قبض على أصل الزِّمَام عند الرأس، وقادها قوداً عنيفاً ( وقال ان السِّكِّيت : عَتَلْتُهُ إلَى السِّجْنِ وأعْتَلْتُهُ إذا دفَعْتَهُ دَفْعاً عَنِيفاً ).
قوله :﴿ إلى سَوَآءِ الجحيم ﴾ أي إلى وَسَطِ الجَحِيم، ومعنى الآية : أنه يقال للزبانية : خذوه أي الأثيم فاعتلوه، أي سوقوه بعنف إلى وَسَط الجحيم، ﴿ ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم ﴾، كقوله تعالى :﴿ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم ﴾ [ الحج : ١٩ ] إلا أنَّ هذه الاستعارة أكمل في المبالغة كأنه يقول : صبو عليه عذاب ذلك الحميم ونظيره قوله :﴿ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً ﴾ [ الأعراف : ١٢٦ ].
قوله :﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ﴾ قرأ الكسائيُّ بفتح همزة إنك، على معنى العلة، أي لأَنَّك. وقيل تقديره ذق عذاب الجحيم أنك أنت العزيز، والباقون بالكسر، على الاستنئاف المُفيد للعلة، فتتحدُ القراءتان معنى، وهذا الكلام على سبيل التهكم وهو أغيظ لِلْمُسْتَهْزَأ بِهِ.
ومثله قول جرير لشاعر يسمي نفسه زَهْرَةً اليَمَنِ :

٤٤٣٠ أَلَمْ تَكُنْ فِي وُسُومٍ قَدْ وُسِمْتَ بِهَا مِنْ كُلِّ مَوْعِظَةٍ يَا زَهْرَةَ اليَمَنِ
وهذا الشاعر قد قال :
٤٤٣١ أَبْلِغْ كُلَيْباً وَأَبْلِغْ عَنْكَ شَاعِرَهَا أَنِّي الأَعَزُّ وَأَنِّي زَهْرَةُ اليَمَنِ
ومعنى الآية أنك بالضدِّ منه. روي أن أبا جهل قال لرسول الله ﷺ : مَا بَيْنَ جبليْها أَعَزُّ ولا أكرمُ مِنِّي، فَوَالله لا تَسْتَطيعُ أَنْتَ وَلاَ رَبُّكَ أَنْ تَفْعَلاَ بِي شَيْئاً. وروي أن خزنة جهنم تقولُ للكافر هذا الكلام إشْفَاقاً بهم وتوبيخاً.
قوله :﴿ إِنَّ هذا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ ﴾ أي تشكون فيه ولا تؤْمِنُون بِهِ.


الصفحة التالية
Icon