وكذلك قرىء : وما يَبُيُّ مِنْ دَابَّةٌ بالتوحيد. وقرأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وطلحة وعِيسَى : وتصْرِيف الرِّيح كذا قال أبو حيان. قال شهاب الدين : وقد قرأ بهذه القراءة حمزةُ والكسائيُّ أيضاً. وقد تقدم ذلك في سورة البقرة.
فصل
اختلاف الليل والنهار فيه وجوه :
الأول : تبديل النهار بالليل وبالعكس.
الثاني : زيادة طول النهار على طول الليل والعكس.
الثالث : اختلاف مطالع الشمس في أيام السنة.
قوله :﴿ وَمَآ أَنَزَلَ الله مِنَ السمآء مَّن رِّزْقٍ ﴾ يعني الرزق الذي هو سبب أرزاق العباد ﴿ فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ وهذا يدل على وجوب القول بوجود الفاعل المختار من وجوه :
أحدها : إنشاء السحاب وإنزال المطر فيه.
وثانيها : تولد النبات من تلك الحبة الواقعة في الأرض.
وثالثها : تولد الأنواع المختلفة وهي ساق الشجرة، وأغصانها، وأوراقها، وثمارها، ثم تلك الثمرة منها ما يكون القشر محيطاً باللّب، كالجَوْز، واللَّوز، ومنها ما يكون اللّب محيطاً بالقشر كالمِشْمِش والخوخ، ومنها ما يكون خالياً عن القشر كالتِّين. فتولد أقسام النبات على كثرة أقسامه وَتَبَايُنِها يدلّ على وجوب القول بوجود الفاعل المختار الحكيم الرحيم.
قوله :﴿ وَتَصْرِيفِ الرياح ﴾ هي أقسام كثير منها الشرقية، والغربية والشّمالية، والجنوبية، ومنها الحارّة، والباردة، أياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون. واعلم أنه تعالى جمع هذه الدلائل في سورة البقرة فقال :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تَجْرِي فِي البحر بِمَا يَنفَعُ الناس وَمَآ أَنزَلَ الله مِنَ السمآء مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرياح والسحاب المسخر بَيْنَ السمآء والأرض لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [ البقرة : ١٦٤ ]. فذكر الله تعالى هذه الأقسام الثمانية من الدلائل، والتافوت بين الوصفين من وجوه :
الأول : أنه تعالى قال في سورة البقرة :﴿ إنَّ في خلق السموات والأرض ﴾ وقال ههنا :﴿ إن في السموات والأرض ﴾ والصحيح عند أهل السنة : إنَّ الخلق غير المخلوق، فذكر لفظ الخلق في سورة البقرة، ولم يذكره هَهُنَا تنبيهاً على أن لا تفاوت بين أن يفصل السموات أو خلق السموات فيكون هذا دليلاً على أن الخلق غير المخلوق.
الثاني : أنه ذكر هناك ثمانيةَ أنواع من الدلائل، وذكر ههنا سبعة أنواع من الدلائل، وأهمل منها الفلك والسحاب، والسَّبَبُ فيه أن مَدَار حركة الفلك والسحاب على الرياح المختلفة، فذكر الرياح التي هي كالسبب يغني عن ذكرهما.
الثالث : أنه جمع الكل وذكر لها مقطَعاً واحداً، وههنا رَتَّبَها على ثلاثة أنواع، والغرض منه التنبيه على أنه لا بدّ من إفراد كل احد منها بنظر تامٍّ سابقٍ.
الرابع : أنه تعالى ذكر في هذا الموضع ثلاثة مقاطع : أحدها : للمؤمنين، وثانيها :« يوقنون ». وثالثها :« يعقلون ».
قال ابن الخطيب : وأظنُّ أن سبب هذا الترتيب أن قوله : إن كنتم من المؤمنين فافهموا هذه الدلائل وإن كنتم لستم من المؤمنين ( بل أنتم من طلاب الجَزْم واليقين، فافهموا هذه الدلائل وإن كنتم لستم من المؤمنين ) ولا من المُوقِنِينَ فلا أَقَلَّ أن تكونوا من زُمْرَةِ العقلاْ فاجتهدوا في معرفة هذه الدلائل.