قوله :« أُولَئِكَ » إشارة إلى معنى كل أفَّاكٍ أَثِيم ليدخل فيه جميع الأفاكين فَحُمِلَ أوَّلاً على لفظها فأفرد، ثم على معناها فجمع، كقوله :﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [ المؤمنون : ٥٣ ].
قوله :﴿ مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ ﴾ لما قال :﴿ أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ وصف كيفية ذلك العذاب فقال : من ورائهم جهنم أي أمامهم جهنم لأنهم في الدنيا. قال الزمخشري هي اسم للجهة التي يواجه بها الشخص من خَلْفه أو من قُدَّامِهِ. ثم بين أن ما ملكوه في الدنيا لا ينفعهم فقال :﴿ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً ﴾ أي من الأموال.
قوله :﴿ وَلاَ مَا اتخذوا ﴾ عطف على ما كسبوا و « ما » فيهما إما مصدرية أو بمعنى الذي أي لا يغني كَسْبُهُمْ ولا اتِخّاذُهُمْ، أو الذي كسبوه ولا الذي اتخذوه.
فإن قِيلَ : إنه قال قبل هذه الآية :﴿ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ ثم قال ههنا :﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ فما الفرق بينهما؟
فالجواب : كون العذاب مُهِيناً يدُلُّ على حصول الإهانة مع العذاب وكَوْنهُ عظيماً يدل على كونه بالغاً إلى أقصى الغايات في الضَّرَر.
قوله :« هَذَا هُدًى » يعني هذا القرآ هدى أي كامل في كونه هدى من الضلالة ﴿ والذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ ﴾ وقد تقدم الكلام على الرجز الأليم في « سبأ » والرجز أَشَدُّ العذاب لقوله تعالى :﴿ رِجْزاً مِّنَ السمآء ﴾ [ البقرة : ٥٩ ] وقوله :﴿ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ﴾ [ الأعراف : ١٣٤ ]. وقرىء « أليم » بالجر، والرفع، أما الرفع فتقديره لهم عذاب أليم، ويكون ( المراد ) من الرجز النَّجَسُ الذي هو النجاسة، ومعنى النجاسة فيه قوله :﴿ ويسقى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ ﴾ [ إبراهيم : ١٦ ] وكأن المعنى لهم عذاب من تَجرُّع رجسٍ أو شرب رجس، فيكنون تنبيهاً للعذاب، وأما الجر فتقديره لهم عذاب من عذاب أليم، وإذا كان عذابهم من عذاب أليم كان عذابهم أليماً.


الصفحة التالية
Icon