ومن قرأ بالرفع فيحتمل قراءته وجهين :
أحدهما : أن يكون « سواء » خبراً مقدماً، و « مَحْيَاهُم » مبتدأ مؤخراً، ويكون « سواء » مبتدأ و « محياهم » خبره كذا أعربوه. وفيه نظر تقدم في سورة الحج، وهو أنه نكرة لا مسوغ فيها وأنه متى اجتمع معرفة ونكرة جعلت النكرة خبراً لا مبتدأ.
ثم في هذه الجملة ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها استئنافية. والثاني : أنها تبدل من الكاف الواقعة مفعولاً ثانياً. قال الزمخشري : لأن الجملة تقع مفعولاً ثانياً فكانت في حكم المفرد، ألا تراك لو قلت : أن نجعلهم سواءً محياهم ومماتهم كان سديداً، كما تقول : ظَنَنْتُ زَيْداً أبوه مُنْطَلِق.
قال أبو حيان : وهذا أعني إبدال الجملة من المفرد أجازه ابن جني وابن مالك ومنعه ابن العِلْجِ، ثم ذكر عنه كلاماً كثيراً في تقريره ذلك. ثم قال :« والذي يظهر أنه لا يجوز يعني ما جوزه الزمخشري قال : لأنها بمعنى التَّصْيِير، ولا يجوز : صَيَّرْتُ زيداً أبو قائمٌ؛ لأن التصيير انتقال من ذات إلى ذات أو من وصف في الذات إلى وصفٍ فيها، وتلك الجملة الواقعة بعد مفعول صيرت المقدرة مفعولاً ثانياً ليس فيها انتقال مما ذكر فلا يجوز.
قال شهاب الدين : ولقائل أن يقول : بل فيها انتقال من وصف في الذات إلى وصف فيها، لأن النحاة نصوا على جواز وقوع الحمل صفة وحالاً، نحو : مَرَرْتُ بِرَجُلٍ أبُوهُ قائِمٌ، وجاء زيد أبو قائمٌ، فالذي حكموا عليه بالوصفية والحالية يجوز أن يقع في حيِّز التصيير؛ إذ لا فرق بين صفة وصفة من هذه الحيثية.
الثالث : أن تكون الجملة حالاً ( و ) التقدير : أم حسب الكفار أن نصيرهم مثل المؤمنين في حال استواء مَحْيَاهُمْ وَمَماتِهِم؟! ليسوا كذلك بل هم مقترفون. وهذا هو الظاهر عند أبي حيان وعلى الوجهين الأخيرين تكون الجملة داخلة في حيِّز الحسبان، وإلى ذلك نحا ابن عطية فإنه قال : مقتضى هذا الكلام أن لفظ الآية خبر، ويظهر أن قوله : سواء محياهم ومماتهم داخل في الحسبة المنكرة السيئة، وهذا احتمال حسن، والأول جيِّد انتهى. ولم يبين كيفية دخوله في الحسبان وكيفة أحد الوجهين الأخيرين إما البدل وإما الحالية كما عرفته. وقرأ الأعمش » سواءً « نصباً محياهُمْ ومَمَاتَهُمْ.
بالنصب أيضاً، فأما سواء فمفعول ثان، أو حال كما تقدم. وأما نصب محياهم ومماتهم ففيه وجهان :
أحدهما : أن يكونا ظرفي زمان، وانتصبا على البدل من مفعول ( نجعلهم ) بدل اشتمال ويكون سواء على هذا هو المفعول الثاني، والتقدير : أنْ نَجْعَلَ مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتَهُمْ ( سَوَاءً ).