روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« قال الله تعالى :» لاَ يَقُل ابْنُ آدَمَ يا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنِّي أَنَا أُرْسِلُ اللَّيْلَ والنَّهَارَ فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُها « وعنه قال : قال رسول الله ﷺ » لا يَسُبَّ أحدُكُمْ الدَّهْرَ فإنَّ الدَّهْرَ هُوَ اللهُ، وَلاَ يَقُولَنَّ لِلْعِنَبِ الكرْمَ، فإنََّ الكَرْمَ هُوَ الرَّجُلُ المُسْلِمُ « ومعنى الحديث أن العرب كان من شأنها ذم الدهر وسبه عند النوازل، لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب المكاره فيقولون : أصابتهم قوارعُ الدهر، وأبادهم الدهرُ، كما أخبر الله عنهم :﴿ وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدهر ﴾ فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها فكان يرجع سَبُّهم إلى الله تعالى ؛ إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يضيفونها إلى الدهر فنهُوا عن سبِّ الدهر.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتوا بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ قرأ العامة بنصب »
حجتهم «. وزيدُ بْنُ عليٍّ، وعمروُ بْنُ عُبَيد، وعُبَيْدُ ابن عَمرو بالرفع وتقدم تأويل ذلك و » ما كان « جواب » إذا « الشرطية. وجعله أبو حيان دليلاً على عدم إعمال جواب » إذا « فيها لأن » ما « لا يعمل ما بعدها فيما قبلها.
قال : وخالفت غيرها من أدوات الشرط، حيث لم يقترن بالفاء جوابها إذا نفي بما.

فصل


سمى قولهم حجة لوجوه :
الاول : لزعمهم أنه حجة.
الثاني : أن من كانت حجته هذا فليس له ألتة حجة كقوله :
٤٤٤٥..................... تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجيعُ
الثالث : أنهم ذكروها في معرض الاحتجاج بها. واعلم أنهم احتجوا على إنكمار البعث بهذه الشبهة وهي شبهة ضعيفة جداً، لأنه ليس كل ما لايحصل في الحال يجب أن يمتنع حصوله فإن كان حصول كل واحد منا كان معدوماً من الأزل إلى الوقت الذي خلقنا فيه، ولو كان عدم الحصول في وقت معين يدل على امتناع ا لحصول لكان عندم حُصُولِنا في الأزل إلى وقت خلقنا يدل على امتناع حصولنا وذلك باطلٌ.
قوله تعالى :﴿ قُلِ الله يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إلى يَوْمِ القيامة ﴾.
فإن قيل : هذا الكلام مذكوراً لأجل جواب من يقول :﴿ ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدَّهر ﴾ وهذا القائل ينكر وجود الإله ووجود القيامة فكيف يجوز إبطال كلامه بقوله :﴿ الله يُحْيِيكُمْ ﴾ ؟ وهل هذا إلا إثْبَات الشيء بنفسه، وهو باطل؟!
فالجواب : أنه تعالى ذكر الاستدلال بحدوث الحيوان والإنسان على وجود الإله القادر الفاعل الحكيم مراراً فقوله : ههنا :﴿ الله يُحْيِيكُمْ ﴾ إشارة إلى تلك الدلائل التي بينها وأوضحها مراراً، وليس المقصود من ذكر هذا الكلام إثبات الإله، بل المقصود منه التنبيه على ما هو الدليل الحق القاطع في نفس الأمر.


الصفحة التالية
Icon