قوله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض... ﴾ الآية لما احتج بكونه قادراً على الإحياء في المرة الثانية في الآيات المتقدمة، عَمَّمَ الدليل فقال :﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض ﴾ أي لله القدرة على جميع الكائنات سواء كانت في السموات أو في الأرض وإذا ثبت كونه تعالى قادراً على كُلِّ الممكنات وثبت أن حصول الحياة في هذه الدار ممكن إذ لو لم يكن ممكناً لما حصل في المرة الأولى، فيلزم من هاتين المقدمتين كونه تعالى قادراً على الإحياء في المرة الثانية. ولما بين تعالى إمكانية القول بالحشر والنشر في هذين الطريقين، ذكر تفاصيل أحوالِ القيامة فأولها : قوله :﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة ﴾ في عامله وجهان :
أحدهما : أنه « يخسر » و « يومئذ » بدل من « يَوْمَ تَقُومُ ». والتنوين على هذا التنوين عوض عن جملة مقدرة ولم يتقدم من الجمل إلا « تقوم الساعة » فيصير التقدير : ويوم تقوم الساعة يومئذ تقوم الساعة. وهذا الذي قدروه ليس فيه مزيد فائدة، فيكون بدلاً توكيديًّا.
والثاني : أن العامل فيه مقدر، قالوا لأن يوم القيامة حالة ثالثة ليست بالسَّماء ولا الأرض، لأنهما يتبدلان فكأنه قيل : ولله ملك السموات والأرض والملك يوم تقوم. ويكون قوله :« يَوْمَئذٍ » معمولاً ليخصرُ، والجملة مستأنفة من حيثُ اللفظ، وإنْ كَانَ لها تعلق بما قبلها من حيثُ المَعْنَى.
فصل
اعلم أنَّ الحَيَاةَ والعقل والصحة كأنها رأس مال، والتصرف فيها بطلب السعادة الأخروية مَجْرَى تصرف التاجر في ماله لطلب الربح والكفار قد اتعبوا أنفسهم في تصرفاتهم بالكفر والأباطيل فلم يجدوا في ذلك اليوم إلاَّ الحرمان والخِذلان ودخول النار وذلك في الحقيقة نهاية الخسران.
وثانيها : قوله :﴿ وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ﴾ الظاهر أن الرؤية بصرية فيكون « جاثية » حال قال الليث : الجَثْوُ الجُلُوسُ على الركب الجِثِيّ بين يَدَي الحَاكِمِ، وذلك لأنها خائفة والمذنب مُسْتَوْفِزٌ. وقيل : مجتمعة، ومنه الجُثْوَةُ للقبر لاجتماع الأحجار عليه، قال ( الشاعر ) ( رحمه الله ) :
٤٤٤٦ تَرَى جُثْوَتَيْنِ مِنْ تُرَابٍ عَلَيْهِمَا | صَفَائِحُ صُمٌّ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّدِ |
قوله :« كُلُّ أمة » العامة على الرفع بالابتداء، و « تُدْعَى » خبرها. ويعقوب بالنصب على البدل من « كُلَّ أمَّة » الأولى، بدل نكرة موصوفة من مثلها.
قوله : إلَى كِتَابِهَا « أي إلى صحائف أعمالها، فاكتفي باسم الجنس كقوله تعالى بعد ذلك :﴿ فَأَمَّا الذين آمَنُواْ ﴾. قال سلمان الفارسي : إن في القيامة ساعةً هي عشرُ سنين، يَخِرُّ الناس فيها جثاةً على ركبهم، حتى إبراهيم ينادي ربه لا أملك إلا نفسي.