وقال بعض الطائيين :

٤٣٤٣ دَعَا فَأَجَبْنَا وَهْوَ بَادِيَ ذِلَّة لَدَيْكُمْ وَكَانَ النَّصْرُ غَيْرَ بَعِيدِ
يعني بنصب « بادي ». وهذا هو مذهب الأخفش، إلا أن الزمخشري منع من ذلك، قال رحمه الله : فَإن قُلْتَ : هل يجوز أن يكون « كلاًّ » حالاً، قد عمل فيهِ « فيها » ؟ قُلْتُ : لا؛ لأن الظرف لا يعمل في الحال متقدمةً كما يعمل في الظرف متقدماً، تقول : كُلَّ يَوْمٍ لَكَ ثَوْبٌ، ولا تقول : قائماً في الدَّارِ زَيْدٌ، قال أبو حيان : وهذا الذي منعه أجازه الأخفش، إذا توسعت الحال، نحو : زيدٌ قائماً في الدار، وزيد قائماً عندك.
والمثال الذي ذكره ليس مطابقاً لما في الآية؛ لأن الآية تقدم فيها المسند إليه الحكم وهو اسم إن، وتوسطت الحال إذا قلنا : إنها حال، وتأخر العامل فيها. وأما تمثيله بقوله :« ولا تقول قائماً في الدَّارِ زيْد » فقد تأخر فيه المسند والمسند إليه، وقد ذكر بعضهم : أن المنع في ذلك إجماع من النحاة.
قال شهاب الدين : الزمخشري منعه صحيح؛ لأنه ماشٍ على مذهب الجمهور وأما تمثيله بما ذكر فلا يضره؛ لأنه في محل المنع، فعدم تجويزه صحيح.
الثالث : أن « كُلاًّ » بدل من « نَا » في « إنَّا » ؛ لأن « كُلاًّ » قد وَليَت العَوامِلَ فكأنه قيل : إنّ كُلاًّ فيها وإذا كانوا قد تأولوا قوله :
٤٣٤٤........................ .................. حَوْلاً أَكْتَعَا
و « حَوْلاً أجْمَعَا » على البدل مع تصرف أكْتَعَ وأجْمَعَ؛ فلأن ذلك في « كّلّ » أولى وأجدى. وأيضاً فإن المشهور تعريف « كُلّ » حال قطعها، حكي في الكثير الفَاشِي : مررت بكُلِّ قائماً وبِبَعْضٍ جالساً، وعزاه بعضهم لسيبويه.
وتنكير « كل » ونصبها حالاً في غاية الشذوذ، نحو :« مَرَرْتُ بِهِمْ كُلاًّ » أي جميعاً.
فإن قيل : فيه بدل الكل من الكل في ضمير الحاضر وهو لا يجوز.
أجيبَ بوجهين :
أحدهما : أن الكوفيين والأخفش يرون ذلك وأنشدوا قوله :
٤٣٤٥ أَنَا سَيْفُ العِشِيرَةِ فَاعْرِفُونِي حميداً قَدْ تَذَرَّيْتُ السِّنَامَا
« فحميداً » بدل من ياء « فاعرفوني ». وقد تأوله البصريون على نصبه على الاختصاص.
والثاني : أن هذا الذي نحن فيه ليس محل الخلاف « ؛ لأن دال على الإحاطة والشمول، وقد قالوا : إنه متى كان البدل دالاً على ذلك جاز، وأنشدوا :
٤٣٤٦ فَمَا بَرِحَتْ أَقْدَامُنَا فِي مَكَانِنَا ثَلاَثتِنَا حَتَّى أُزِيرُوا المَنَائِيَا
ومثله قوله تعالى :﴿ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا ﴾ [ المائدة : ١١٤ ] قالو :»
ثلاثتنا « بدل من » ن « في » مكاننا « ؛ لدلالتها على الإحاطة، وكذلك » لأولنا وآخرنا « بدل من » ن « ف » لنا «، فلأن يجوز ذلك في كل التي هي أصل في الشمول والإحاطة بطريق الأولى، هذا كلام أبي حيان في الوجه الثالث.


الصفحة التالية
Icon