واختلفوا فيه فالأكثرون على أنه تعالى يُحْيِي هذه الأصنام يوم القيامة فتتبرأ من عبادتهم. وقيل : المراد عبدة الملائكة وعيسى، فإنهم في يوم القيامة ينظهرون عبادة هؤلاء العابدين وهو المراد بقوله :﴿ وَإِذَا حُشِرَ الناس كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ أي جاحدين كقوله :﴿ تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كانوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ﴾ [ القصص : ٦٣ ].
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ ﴾ هنا أقام ظاهرين مقام مضمرين، إذ الأصل قالوا لها أي للآيات ولكنه أبرزهما ظاهرين لأجل الوصفين المذكورين. واللام في للحق للصلة.
فصل
لما تكلم في تقرير التوحيد، ونَفْي الأضداد، والأنداد تكلم في النبوّة وبين أن محمداً ﷺ كلما عرض عليهم نوعاً من أنواع المعجزات قالوا : هذا سحر أي يسمون القرآن سحراً.
قوله تعالى :﴿ أَمْ يَقُولُونَ افتراه ﴾ أم للإنكار والتعجب كأنه قيل : دع هذا واسمع القول المنكر العجيب ثم بين بطلان شبهتهم فقال :« قل » يا محمدج « إِن افْتَرَيْتُهُ » على سبيل الفرض، فإن الله يعاملني بعقوبة بُطْلاَن ذلك لافتراء، وأنتم لا تقدرون على دفعه فكيف أقدر على هذه الفِرْيَةِ؟ يعني لعقابه، وهو المراد بقوله :﴿ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ الله شَيْئاً ﴾ أي لاَ تَقْدِرُونَ أن تردوا عني عذابه، وإن عذبني الله على افْترائِي، فكيف أفتري على الله من أجلكم؟! ونظيره :﴿ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ المسيح ابن مَرْيَمَ ﴾ [ المائدة : ١٧ ] ﴿ وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئاً ﴾ [ المائدة : ٤١ ]. ثم قال :﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾ أي الله أعلم بما يخوضون فيه من التكذيب بالقرآن، والقول فيه بأنه سحر. ﴿ كفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ أي القرآن جاء من عنده فيشهد لي بالصدق ويشهد لكم بالكذب ﴿ وَهُوَ الغفور الرحيم ﴾ لمن رجع عن الكفر وتاب. قال الزجاج : هذا دعاء إلى التوبة، ومعناه غفور لمن تاب منكم رحيمٌ به.