وقيل : المراد بالشاهد التوراة. ومثل القرآن هو التوراة فشهد موسى على التوراة، ومحمد على الفرقان، وكل واحد يُصَدِّقُ الآخرَ، لأن التوراة مشتملة على البشارة بمحمدٍ ﷺ والقرآن مصدق التوراة ثم قال :﴿ فَآمَنَ واستكبرتم ﴾ فلم تؤمنوا ﴿ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين ﴾ وهذا تهديد. وهو قائم مقام الجواب المحذوف، والتقدير قل أرأيتم إنْ كَانَ من عند الله ثم كفرتم به فإنكم لا تكونون مهتدين بل تكونون ضالّين.
قوله تعالى :﴿ وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ... ﴾ في سبب نزول وجوه :
الاول : أن كفار مكمة قالوا : إِن عَامَّةَ من يتبع محمداً الفقراءُ والأرذالُ مثلُ عمَّار، وصُهَيْب، وابْن مَسْعُودٍ ولو كان هذا الدين خيراً ما سبقونا إليه هؤلاء.
والثاني : قيل : لما أسلمت جُهَيْنَةُ ومُزَيْنَة، وأسْلَم، وغِفار، قالت بنو عامر وعطفان وأسد وأشجع : لو كان هذا خيراً ما سبقنا إليه رعاة البَهْمِ.
الثالث : قيل : إنَّ أَمَةً لعمرَ أسلمت وكان عمر يضربها ويقول : لولا أنّي فترت لزِدْتُكِ ضَرْباً فكان كفار قريش يقولون : لو كان ما يدعونا إليه محمد خيراً ما سبقنا إليه.
الرابع : قيلأ : كان اليهود يقولون هذا الكلام حين أسلم عبدالله بن سلام وأصحابه.
قوله :« لِلَّذِينَ آمَنُوا » يجوز أن تكون لام الصلة، أي لأجلهم، يعني أن الكفار قالوا : لأجل إيمان الذين آمنوا، وأن تكون للتبليغ ولو جروا على مقتضى الخطاب لقالوا : ما سبقتمونا ولكنهم التفتوا فقالوا ما سبقونا. والضمير في « كان » و « إليه » عائدان على القرآن، أو ما جاء به الرسول أو الرسول.
قوله :﴿ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ ﴾ العامل في « إذْ » مقدر أي ظهر عنادُهُمْ، وتسبب عنه ( قوله ) « فَسَيَقُولُونَ » ولا يعمل في « إذْ » فَسَيَقُولُونَ، لتضاد الزمانين، أعني المُضِيَّ والاسْتِقْبَالَ ولأجل الفاء أيضاً.

فصل


المعنى وإذ لم يهتدوا بالقرآن كما اهتدى به أهل الإيمان فسيقولون هذا إفك قديم كما قالوا : أسَاطِيرُ الأَوَّلين.
قوله ( تعالى ) :﴿ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى ﴾ العامة على كسر ميم « مِنْ » حرف جر، وهي مع مجرورها خبر مقدم. والجملة حالية، أو خبر مستأنف وقرأ الكلبي بنصب الكتاب تقديره : وأنْزَلَ مِنْ قِبْلِهِ كِتَابَ مُوسَى وقرىء : وَمَنْ قَبْلَه بفتح الميم كِتَابَ مُوسَى بالنصب، على أن « من » موصولة، وهي مفعول أول لآتَيْنَا مقدَّراً، و « كتاب موسى » مفعوله الثاني أي وآتينا الذي قبله كِتَابَ مُوسَى.
قوله :« إمَاماً ورَحْمَةً » حالان من « كتاب موسى ». وقيل : منصوبان بمقدر أي أَنْزَلْنَاهُ إِمَاماً ولا حاجة إليه. وعلى كونهما حالين هما منصوبان بما نصب به « مِنْ قَبْل » من الاستقرار. وقال أبو عبيدة : فيه إضمار أي جعلناه إماماً ورحمة من الله لمن آمن به.


الصفحة التالية
Icon