[ الكهف : ٣٦ ] وكانوا يفرحون بذلك ويدفعون به علوم الأنبياء، كما قال ﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [ المؤمنون : ٥٣ ] و [ الروم : ٣٢ ] وقيل : المراد علوم الفلاسفة فإنهم كانوا إذا سمعوا بوحي الله دفعوه وصغَّروا علوم الأنبياء عن علومهم كما روي عن سقراط أن سمع بمجيء أحد الأنبياء علهيم الصلاة والسلام فقيل له : لو هاجرت إليه فقال : نحن قوم مهتدون فلا حاجة بنا إلى من يهدينا. وقيل : المراد علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها، كقوله تعالى :﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الحياة الدنيا وَهُمْ عَنِ الآخرة هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [ الروم : ٧ ] ﴿ ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ العلم ﴾ [ النجم : ٣٠ ] فلما جاءت الرسل بعلوم الديانات ومعرفة الله تعالى، ومعرفة المعاد وتطهير النفس من الرذائل لم يلتفتوا إليها واستهزأوا بها، واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفائدة من علمهم ففرحوا به.
وإن عاد الضمير إلى الأنبياء ففيه وجهان :
الأول : أن يفرح الرُّسُلُ إِذَا رَأوا من قومهم جهلاً كاملاً وإعراضاً عن الحقِّ وعلموا سوء غَفْلَتِهِمْ وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم وإعراضهم يفرحوا بما أوتوا من العلم، ويشركوا الله عليه « وَحَاقَ » بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم.
الثاني : أن المراد أن الرسل فرحوا بما عندهم من العلم فَرَحَ ضَحِكٍ واستهزاء.
قوله :﴿ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا ﴾ أي عذابنا ﴿ قالوا آمَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ﴾ أي تبرأنا مما كنا نعدل بالله، البأسُ : شدة العذاب، ومنه قوله تعالى :﴿ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ ﴾ [ الأعراف : ١٦٥ ]. قوله :﴿ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ ﴾ يجوز رفع « إيمانهم » اسماً لكان، و « ويَنْفَعُهُمْ » جملة خبراً مقدماً، ويجوز أن يرتفع بأنهن فاعل ينفعهم، وفي كان ضمير الشأن.
وقد تقدم هذا محققاً في قوله :﴿ مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ ﴾ [ الأعراف : ١٣٧ ] وأنه ليس من باب التنازع. ودخل حرف النفي على الكون لا على النفي؛ لأنه بمعنى لا يصح ولا ينبغي، كقوله تعالى :﴿ مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ﴾ [ مريم : ٣٥ ].
واعلم أن المراد بالوقت الذي لا ينفع الإيمان فيه هو وقت مُعَاينَة نزول ملائكة الرحمة وملائكة العذاب لأن في ذلك الوقت يصير المرء ملجأ إلى الإيمان فذلك الإيمان لاَ يَنْفَعُ.
قوله :﴿ سُنَّةَ الله ﴾ يجوز انتصابها على المصدر المؤكد لمضمون الجملة يعني إن الذي فعل الله بهم سنة سابقة من الله، ويجوز انتصابها على التحذير، أي احذَرُوا سنة الله في المكذبين ﴿ التي قد خلت في عباده ﴾، وتلك السنة أنهم إذا عاينوا العذاب آمنوا ولا ينفعهم إيمانهم ﴿ هُنَالِكَ الكافرون ﴾ « هُنَالِكَ » في الأصل مكان. قيل : واستعير هنا للزمان، ولا حاجة فالمكانيةُ فيه ظاهرة، أي وخسر هُنَالِكَ الكافرون بذهاب الدارين.
قال الزَّجَّاجُ :« الكافر خاسر في كل وقت، وإنما يُبَيِّنُ لهم خسرانهم إذا رأوا العَذَاب ».

فصل


قال بن سيرين : رأى رجل في المنام سَبْعَ جوارٍ حِسَانٍ في مكان واحد لم ير أحْسَنَ منْهُنَّ فقال لهُنَّ : لِمَنْ أنتُنَّ؟ فقُلْنَ : لِمَنْ قَرَأَ آلَ حمَ.
( اللَّهم وفِّقنا لكتابك ) ( والله سبحانه وتعالى أعلم ).


الصفحة التالية
Icon