ويحتمل أن يكون المراد قوماً تجهلون من حيث إنكم بَقِيتُم مُصرِّين على كفركم وجهلكم فيغلب على ظني أنه قرب الوقت الذي ينزل عليكم العذاب بسبب هذا الجهل المفرط والوقاحة التامة.
ويحتمل أن يكون المراد قوماً تجهلون حيث تُصِرُّونَ على طلب العذاب وهب أنه لم يظهر لكم كوني صادقاً ولكن لم يظهر لكم أيضاً كوني كاذباً، فالإقدام على الطلب الشديد لهذا العذاب جهل عظيم.
قوله :﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً ﴾ في « هاء » « رَأَوْهُ » قولان :
أحدهما : أنه عائد على « ما » في قوله « ما تَعِدُنا ».
الثاني : أنه ضمير مبهم يفسره « عَارِضاً » إما تمييزاً، أو حالاً. قالهما الزمخشري.
وردَّه أبو حيان بأن التمييز المفسِّر للضمير محصورٌ في باب رُبَّ، وفي نِعْمَ وبِئْسَ، وبأنَّ الحالَ لم يُعْهَد فيها أن توضع الضمير قبلها، وأن النَّحويِّين لا يعرفون ذلك. وذكر المبرد في الضمير ههنا قولين :
الاول : ما تقدم. والثاني : أنه يعود إلى غير مذكور وبينه قوله :: « عارضاً » كقوله :﴿ مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ ﴾ [ فاطر : ٤٥ ]. ولم يذكر الأرض لكونها معلومة فكذا الضمير ههنا، عائد إلى السحاب، كأنه قيل : فلما رأَوا السَّحَابَ عارِضاً. وهذا اختيار الزجاج. ويكون من باب الإضمار لا على شريطة التفسير.
والعارض السحابة التي ترى في ناحية السماء ثم تطبّق السماء. قال أهل اللغة : العَارِضُ المُعْتَرِضُ من السَّحَاب في الجوِّ، قال :

٤٤٥٥ يَامَنْ رَأَى عَارِضاً أَرقْتُ لَهُ بَيْنَ ذِرَاعَيْ وَجَبْهَةِ الأَسَدِ
قوله :﴿ مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ ﴾ صفة ل « عَارِضاً »، وإضافة غير محضة فم ثَمَّ سَاغَ أن يكون نعتاً لنكرة وكذلك « مُمْطِرُنَا » وقع نعتاً « لِعَارِضٍ » ومثله :
٤٤٥٦ يَا رُبَّ غَابِطِنَا لَوْ كَانَ يَطْلُبُكُمْ لاَقَى مُبَاعَدَةً مِنْكُمْ وَحِرْمَانَا
وقد تقدم أن أوديةً جمع وادٍ، وأن أفْعِلَةً وردت جمعاً لفاعل في ألفاظ كَوَادٍ وأدْوِيَةٍ ونَادٍ وأنْدِيَةٍ، وحَائِزٍ وأَحْوِزَةٍ.

فصل


قال المفسرون : كانت عاد قد حبس عنهم المطر أيماً فساق الله إليهم سحابة سوداء فخرجت عليهم من وادٍ لهم يقال له : المغيث، فلما رأوها استبشروا وقالوا : هذا عارض ممطرنا فقال الله تعالى :﴿ بَلْ هُوَ مَا استعجلتم بِهِ ﴾ من العذاب. ثم بين ماهيته فقال :﴿ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ثم وصف تلك الريح فقال :﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ﴾ أي تهلك كل شيء من الحيوان والناس بأم ربها. ومعناه أن هذا ليس من باب تأثيراتٍ الكواكب والقِرانَات بل هو أمر حدث ابتداءً بقدرة الله تعالى لأجل تَعْذِبكم.
قوله :﴿ بَلْ هُوَ مَا استعجلتم بِهِ ﴾ قرىء :« ما اسْتُعْجلْتُمْ » مبنياً للمفعول. وقوله :« ريحٌ » يجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر أي هُوَ رِيحٌ، ويجوز أن يكون بدلاً من « هِيَ » و « فِيهَا عَذَابٌ » صفة ل « رِيحٍ » وكذلك « تُدَمّر ».


الصفحة التالية
Icon