أي اتخذوها شفعاء وقالوا : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى ﴾ [ الزمر : ٣ ].
قوله :﴿ قُرْبَاناً ﴾ فيه أربعة أوجه :
أظهرها : أن المفعول الأول ل « اتَّخَذَ » محذوف، هو عائد..... « قُرْبَاناً » نصب على الحال، و « آلِهَةً » هو المفعول الثاني للاتِّخَاذ، والتقدير..... نَصَرَهُم الَّذِينَ اتَّخَذُوهُمْ مُتَقَرَّباً بهم آلهة.
والثاني : أن المفعول الأول محذوف كما تقدم و « قُرْبَاناً » مفعولاً ثانياً و « آلهة » بدل منه. وإليه نحا أبن عطية والحَوْفِيُّ وأبو البقاء، إلا أن الزمخشري منع هذه الوجه قال :« الفساد المعنى ». ولم يبين جهة الفاسد. قال أبو حيان : ويظهر أن المعنى صحيح على ذلك الإعراب. قال شهاب الدين : ووجه الفساد والله أعلم أن القُرْبَانَ اسم لما تقرب به إلى الإله، فلو جعلناه مفعولاً ثانياً و « آلهةً » بدلاً منه لزم أن يكون الشيء المُتَقَرَّبُ به آلهةً والغرض أنه غيرُ آلهة. بل هو شيء يتقرب به إليها فهو غيرها فكيف تكون الآلهة بدلاً منه؟ وهذا مَا لاَ يَجُوزُ.
الثالث : أن « قرباناً » مفعولٌ من أجله. وعزاه أبو حيان للحَوْفي. وإليه ذهب أبو البقاء أيضاً. وعلى هذا ف « آلِهَةً » مفعولٌ ثان، والأول محذوف كما تقدم.
الرابع : أن يكون مصدراً. نقله مكي. ولولا أنه ذكر وجهاً ثانياً وهو المفعول من أجله لكان كلامه مؤولاً بأنه أراد بالمصدر المفعول من أجله لبُعْدِ معنى المصدر.
قوله :﴿ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ ﴾ قال مقاتل : بل ضلت الآلهة عنهم فلم ينفعهم عد نزول العذاب لهم.
قوله :﴿ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ ﴾ العامة على كسر الهمزة، وسكون الفاء، مصدر أَفِكَ يَأفِكُ إفْكاً، أي كَذِبُهُمْ وابن عباس بالفتح وهو مصدر له أيضاً. وابن عباس أيضا وعكرمة والصَّباح بنْ العلاء أَفَكَهُمْ بثلاث فتحات فعلاً ماضياً، أي صَرَفَهُمْ. وأبو عياض وعكرمة أيضاً كذلك، إلا أنه بتشديد الفاء للتكثير، وابن الزبير، وابن عباس أيضاً آفَكَهُمْ بالمد فعلا ماضياً أيضاً. وهو يحتمل أن يكون بزنة فَاعَل، فالهمزة أصلية، وأن يكون بزنة أَفْعَلَ فالهمزة زائدة والثانية بدل من همزة.
وإذا قلنا : إنه أفعل، فهمزته يحتمل أنت تكون للتعدية، وأن تكون أفعل بمعنى المُجَرّد وابن عباس أيضاً آفكُهُمْ بالمد وكسر الفاء، ورفع الكاف جعله اسم فاعل بمعنى صارفهم. وقرى أَفَكُهُمْ بفتحتين ورفع الكاف على أنه مصدر لأفِكَ أيضاً فيكون له ثلاثة مصادر الإفك و الأَفك بفتح الهمزة وكسرها مع سكون الفاء وفتح الهمزة والفاء، وزاد أبو البقاء أنه قرىء : آفَكُهُمْ بالمد وفتح الفاء، ورفع الكاف قال : بمعنى أَكْذَبُهُمْ. فجعله أفعل تفضيل.
قوله :﴿ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ يجوز أن تكون ما مصدرية، وهو الأحسن، ليعطف على مثله، وأن تكون بمعنى الذي، والعائد محذوف أي يَفْتَرُونَهُ والمصدر من قوله :« إفكهم » يجوز أن يكون مضافاً إلى الفاعل بمعنى كُذِبُهُمْ، وإلى المفعول بمعنى صَرْفُهُمْ.
والمعنى : وذلك إفكهم أي كذبهم الذي كانوا يقولون : إنها تقربهم إلى الله وتشفع لهم ﴿ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ يكذبونَ أنَّها آلِهَةٌ.