قوله :﴿ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ﴾ العذاب فإنه نازل بهم. قيل : إن النبي ﷺ ضجر من قومه بعضَ الضَّجَر، وأحبَّ أن ينزل الله العذاب بمن أبى من قومه، فأمر بالصبر، وترك الاستعجال. ثم أخبر أن ذلك العذاب إذ أنزل بهم يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا حتى يحسبونها ساعة من نهار فقال :﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ ﴾ من العذاب ﴿ لَمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ﴾ إذا عاينوا العذاب صار طُول لَبْثهِمْ في الدنيا والبْرزَخ كأنه ساعةٌ من النهار، أو كان لم يكن لهول ما عاينوا، لأن ما مضى وإن كان طويلاً صار كأنه لم يكن، قال الشاعر :
٤٤٦١ كَأَنَّ شَيْئاً لَمْ يَكُنْ إذَا مَضَى | كَأَنَّ شَيْئاً لَمْ يَكُنْ إذَا أَتَى |
قوله :« بلاغ » العامة على رفعه. وفيه وجْهَان :
أحدهما : أنه خبر مبتدأ محذوف، فقدره بعضهم : تلكَ الساعةُ بلاغٌ، لدلالة قوله :﴿ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ﴾. وقيل : تقديره هذا أي القرآن والشرع بلاغٌ من الله إليكم.
والثاني : أنه مبتدأ والخبر قله « لَهُمْ » الواقع بعد قوله ﴿ وَلاَ تَسْتَعْجِل ﴾ أي لهم بلاغ فيوقف على « ولا تستعجل ». وهو ضعيف جداً، للفصل بالجملة التشبيهية، ولأن الظاهر تَعَلُّق « لهم » بالاسْتِعْجَالِ فهو يشبه الهيئة والقطع.
وقرأ زيد بن علي والحسن وعيسى « بلاغاً » نصباً على المصدر أي بلِّغ بلاغاً. ويؤيده قراءة ابن مِجْلَزِ « بَلِّغْ » أمراً. وقرأ أيضاً « بَلَّغَ » فعلاً ماضياً. ويؤخذ من كلام مَكِّيٍّ أنه يجوز نصبه نعتاً « لِسَاعَةِ » فإنه قال :« ولو قرىء بلاغاً بالنصب على المصدر، أو على النعت لساعة جاز ». وكأنه لو لم يطلع على ذلك قراءة. وقرأ الحسن أيضاً : بَلاَغٍ بالجر، ويُخَرِّج على الوصف ل « نَهَار » على حذف مضاف أي من نهارٍ ذي بلاغ، أو وصف الزمان بالبلاغ مبالغةً. والبلاغ بمعنى التَّبلْيغ.
قوله :« فهل يهلك » العام على بنائه للمفعول. وابن محيصن يَهْلِكُ بفتح الياء وكسر اللام مبنياً للفاعل. وعنه أيضاً فتح اللام وهي لغةٌ والماضي هَلِكَ، بالكسر. قال ابن جني :« كُلٌّ مَرْغُوبٌ عَنْهَا ». وزيد بن ثابت : بضم الياء وكسر اللام، فالفاعل هو الله تعالى. ﴿ القوم الفاسقون ﴾. نصباً على المفعول به. وقرىء :« تَهْلِكُ » بالنو وكسر اللام ونب « الْقَوْم ».
فصل
المعنى فهل يهلك بالعذاب إذا نزل إلاّ القَوْم الفاسقون الخارجون عن أمر الله قال الزجاج : تأويله لا يَهْلِكُ مع رحمة الله وفضْلِهِ إلاَّ القَوْم الفاسقون، ولهذا قال قومٌ : مَا فِي الرَّجَاءِ لِرَحْمَةِ الله أقْوَى مِنْ هذه الآية.
روى أبيّ بن كعب ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله ﷺ « مَنْ قَرَأَ سُورَة الأَحْقَافِ أُعْطِيَ مِنَ الأَجْرِ بِعَدَدِ كُلِّ رَمْلٍ فِي الدُّنْيَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ ومُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئاتٍ ورُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ » ( اللَّهُمَّ تَوفَّنَا مُسْلِمِينَ ).