وهذا يشبه قول بعضهم : هؤلاءٍ بالتنوين. وفِدًى بالكسر مع القصر، وفَدًا بالفتح مع القصر أيضاً. والأوزار هنا الأثقال. وهو مجاز. وقيل : هو من مجاز الحذف أي أهْل الحرب. والأوزار عبارة عن آلات الحرب قال ( الشاعر في معنى ذلك رحمه الله ) :

٤٤٦٤ وَأَعْدَدْتَ لِلْحَرْبِ أَوزَارَهَا رِمَاحاً طُوَالاً وَخَيْلاً ذُكُورا
وحتى الأولى غاية لضرب الرقاب، والثانية ل « شُدُّوا » ويجوز أن يكونا غايتين لضَرْب الرِّقاب علىأن الثانية توكيد وبدل.
قال ابن الخطيب : وفي تعلق « حَتَّى » وجْهَانِ :
أحدهما : تعلقها بالقتل أي اقْتُلُوهُمْ حَتَّى تَضَعَ.
وثانيهما : بالْمَنِّ والفِداء. ويحتمل أن يقال متعلقة بقوله :« فشدوا الوثاق » وتعلقها بالقتل أظهر.

فصل


قدم المن على الفداء، لأن حرمة النفس راجحة على طلب المال. والفداء يجوز أن يكون مالاً ويجوز أن يكون غيره من الأشياء ويشرط بشرط عليهم، أوعليه وحده.

فصل


قال ابن الخطيب : الوزر الإثمُ أو السِّلاح، والإثم إنما هو على المحارب وكذلك السلاح ومعناه تضع الحرب الأوزار التي على المحاربين أو السلاح الذي عليهم، كقوله تعالى :﴿ واسأل القرية ﴾ [ يوسف : ٨٢ ] فكأنه قال : حتى تَضَع أمةُ الحرب، أو فِرقةُ الحرب أوزارها. والمراد انقضاء الحرب بالكلية بحيث لا يبقى في الدنيا حزب من أحزاب الكفر لا حزب ن أحزاب الإسلام هذا إذا أمعنت النظر في المعنى. ولو قلنا : حتى تضع أمة الحرب جاز أن يضعوا الأسلحة ويتركوا الحرب وهي باقية، كقول القائل : خصومتي ما انْفَصَلَتْ، ولكني تركتها في هذه الأيام. وإذا أسندنا الوضع إلى الحرب يكون معناه إن الحرب لم تَبْقَ. واختلفوا في وقت وضع الأوزار على أقوال، يرجع حاصلها إلى الوقت الذي لا يبقى فيه حِزْبٌ من أحْزَاب الإسلام، ولا حزب من أحزاب الكفر. وقيل : ذلك عند قتال الدجال ونزول عيسى ﷺ.

فصل


اختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال قوم : هي منسوخة بقوله :﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحرب فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ ﴾ [ الأنفال : ٥٧ ] وبقوله :﴿ فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾ [ التوبة : ٥ ] وإليه ذهب قتادة والضحاك، والسُّديُّ وابنُ جُرَيْجٍ، وهو قول الأوزاعي وأصحاب الرأي وقوالوا : لا يجوز المنّ على من قوع في الأسر من الكفار ولا الفداء.
وذهب آخرون إلى أن الآية محكمة، والإمام بالخيار في الرجال العاقلين من الكفار إذا أوقعوا في الأسر بين أن يقتلهم، أو يَسْتَرِقَّهُمْ أو يمُنَّ عليهم فيطلقهم بلا عوض أو يُفَادِيهم بالمال أو بأسارى المسلمين. وإليه ذهب ابنُ عمر. وبه قال الحسن وعطاء وأكثر الصحابة والعلماء. وهو قول الثَّوريِّ والشافعيِّ وأحمد وإسحاق. قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) لما كثر المسلمون واشتد سلطناهم أنزل الله في الأسارى ﴿ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً ﴾، وهذا هو الأصح والاختيار، لأنه عمل به رسول الله ﷺ والخلفاءُ بعده.


الصفحة التالية
Icon