قوله :﴿ ياأيها الذين آمنوا إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ ﴾ أي إن تنصروا دينَه وتَنْصُروا رَسُولَهُ يَنْصُرْكُمْ على عدوكم. وقيل : إنْ تنصُرُوا حِزْبَ اللهِ وفَرِيقَهُ.
قوله :﴿ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ قرأ العامة ويثبت مشدداً. وروي عن عاصم تخفيفه من أثْبَتَ. والمعنى : ويُثَّبِّتْ أقْدَامَكُمْ عند القتال.
قوله :﴿ والذين كَفَرُواْ ﴾ يجوز أن يكون مبتدأ، والخبر محذوف تقديره : فَتَعِسُوا وأُتْعِسُوا، بدليل قوله :﴿ فَتَعْساً لَّهُمْ ﴾ وقوله :« فتعساً » منصوب بالخبر. ودخلت الفاء تشبيهاً للمبتدأ بالشرط. وقدر الزمخشري الفعل الناصب ل « تعساً » فقال : لأن المعنى يقال تعساً أي فقَضَى تَعْساً لَهُمْ. قال أبو حيان : وإضمار ما هو من لفظِ المصدر أولى. والثاني : أنه منصوب بفعل مقدر يفسره « فَتَعْساً لَهُمْ »، كما تقول : زَيْدٌ جَدَعاً لَهُ. كذا قال أبو حيان تابعاً للزمخشري. وهذا لا يجوز لأن « لهم » لا يتعلق ب « تَعْساً »، إنما هو متعلق بمحذوف لأنه بيان أي أعني عنهم. وتقدم تحقيق هذا. فإن عيَّنا إضماراً من حيثُ مُطْلَقُ الدَّلالة لا من جهة الاشتغال فمُسَلَّم، ولكن تأباه عبارتُهُما وهي قولهما : منصوب بفعل مضمر يفسره « فعساً لهم ». و « أَضَلَّ : عاطف على ذلك الفعل المقدر أي أتْعَسَهُمْ وأَضَلَّ أعمالهم والتَّعْسُ ضدّ السَّعْدِ، يقال : تَعَسَ الرَّجُل بالفتح تَعْساً، وأَتْعَسَهُ اللهُ، قال مُجَمَّعٌ :

٤٤٦٥ تَقُولُ وَقَدْ أَفردْتُهَا عَنْ خَليلِهَا تَعَسْتَ كَمَا أَتْعَسْتَنِي يَا مُجَمَّعُ
وقيل : تعس بالكسر عن إبي الهَيْثَم وشَمِرٍ وغيرهما. وعن أبي عبيدة : تَعسهُ واتْعَسَهُ مُتَعَدِّيَانِ، فهُما مَّما اتُّفِقَ فِيهِما فَعَلَ وأَفْعَلَ.
وقيل : التعس ضد الانتعاش، قال الزمخشري ( رحمه الله تعالى ) : وتعساً له نقيض لَعَا لَهُ يعني أن كلمة »
لَعَا « بمعنى انْتَعَشَ قال الأعشى :
٤٤٦٦ بِذَاتِ لَوْث عَفْرَنَاةٍ إذَا عَثَرَتْ فَالتَّعْسُ أَدْنَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُولَ لعَا
وقيل : التعْسُ الهَلاَك. وقيل التعس الجَرُّ على الوجه، والنّكْسُ الجر على الرأس.

فصل


قال ابن عباس : صَمْتاً لهم، أي بُعْداً لهم. وقال أبو العالية : سُقْطاً لهم. وقال ابن زيد : شقاءً لهم وقال الفراء : هو نصب على المصدر على سبيل الدعاء. وقيل : في الدنيا العَثْرَةُ، وفي الآخرة التَّردَّي في النار. ويقال للعاثر : تَعْساً إذا لم يريدوا قيامه وضده لمَا إذا أرادوا قيامه. وأضل أعمالهم؛ لأنها كانت في طاعة الشيطان، وهذا زِيَادَةٌ في تقوية قُلُوبِهِمْ؛ لأنه تعالى قال : لَكُم الثباتُ ولهم الزوالُ والتَّعَثُّر.
قوله :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ﴾ يجوز أن يكون »
ذلك « مبتدأ، والخبر الجار بعده، أو خبر مبتدأ مضمر، أي الأمر ذلك بسبب أنهم كرهوا. أو منصوب بإضمار فعل أي فَعَلَ بهم ذَلِكَ بسبب أنهم كرهوا فالجار في الوجْهَيْنِ الأخيرين منصوب المحل والمعنى : ذلك التعس والإضلال بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم والمراد أنهم كرهوا القرآن، أو كرهوا ما أنزل الله من بيان التوحيد فلم يعرفوا العَمَل الصَّالِحَ بل أشركوا، والشرك يحبط العمل، قال تعالى :﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [ الزمر : ٦٥ ] وقيل : كرهوا ما أنزل الله من بيان أمر الآخرة فلم يعملوا لها والدنيا وما فيها وما لها باطل، فأحبط الله أعمالهم.


الصفحة التالية
Icon