٤٤٦٩ قَدْ أَتْرُكَُ القِرْنَ مُصْفَرًّا أَنَامِلُهُ | يَمِيدُ فِي الرُّمْحِ مَيْدَ المَائِحِ الأَسِنِ |
قوله :﴿ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ﴾ صفة ل « لَبَنٍ ».
قوله :« لَذَّةٍ » يجوز أن يكون تأنيث « لَذٍّ » ولَذٌّ بمعنى لَذِيدٍ، ولا تأويلَ على هذا. ويجوز أن يكون مصدراً وصف به، ففيه التأويلات المشْهُورَة. قال ابن الخطيب : يحتمل أن يقال : ما ثَبَتَتْ لذَّتُهُ يقال : كعام لَذٌّ ولَذِيدٌ، وأَطْعِمَةٌ لَذَّة ولَذِيدَةٌ، ويحتمل أن يكون ذلك وصفاً بنفس المعنى لا بالمشتق منه كما يقال للحكيم : هو حَكِيمٌ كله، وللعاقل : هو عاقل كله. والعامة على جرِّ « لَذَّة » صفة لخمر. وقرىء بالنصب على المفعول له وهي تؤيد المصدرية في قراءة العامة. وبالرفع صفة « لأنهار ». ولم تجمع، لأنها مصدر إن قيل به وإلا فلأنها صفة لجمع غير عاقل، وهو يعامل معاملة المؤنثة الواحدة.
قوله :﴿ مِّنْ عَسَلٍ ﴾ نقلوا في عسل التذكير والتأنيث، وجاء القرآن على التذكير في قوله :« مُصَفًّى » والْعَسَلاَنُ العدو، وأكثر استعماله في الذِّئْبِ، يقال : عَسَلَ الذّئبُ والثعلب. وأصله من عسلان الرمح وهو اهتزازه، فكا، العادي يَهُزّ أعضَاءَهُ ويُحركها، قال الشاعر :
٤٤٧٠ لَدْنٌّ بِهَزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ | فِيهِ كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ |
فصل
قال ابن الخطيب : اختار هذه الأنهار من الأنهار الأربعة؛ لأن المشروب إما أن يُشْرَبَ لِطَعْمِهِ أو لغير طعمه، فإن كان للطعم فالمطعوم تسعة : المُرّ والمَالِح، والحريف، والحَامِض، والعَفِصُ والقَابضُ والتّفه، والحلو، والدَّسِم. وألذها الحُلو والدَّسِم، لكن أحلى الأشياء العسل فذكره وأما أدسَمُ الأشياء فالدهن لكن الدُّسُومَة إذا تَمَحَّضَتْ لا تطيب للأكل ولا للشرب، فإن الدّهن لا يأكل ولا يشرب في الغالب وأما اللبن ففيه الدسم الكائن في يغره وهو طيب للأكْل وبه تغذية الحيوان أولاً فذكره الله تعالى؛ وأمّا ما يشرب لغير الطَّعْم فالماء والخَمْر، فإن الخمر كريهة الطعم، لحصول التواتر بذلك، وإنما تشرب لأمر آخَر غير الطعام وأما الماء فلأن به بقاء الحيوان فذكره.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله في الخمر :﴿ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ﴾ ولم يقل في اللبن : لم يخبر طعمه للطاعمين ولا قال في العسل مصفًّى للناظرين؟
فالجواب : قال ابن الخطيب : لأن اللذَّةَ تختلف باختلاف الأشخاص فربَّ طعام يلتذ به شخص ويَعَافُهُ الآخر فقال : لذة للشاربين بأَسْرِهِمْ، ولأن الخمر كريهة الطعم في الدنيا، فقال لذة، أي لا يكون في خمر الآخرة كراهة طعم وأما الطعم واللون فلا يختلف باختلاف الناس، فإن الحُلْوَ والحَامِضَ وغيرهما يدركه كل أحد قد يعافه بعض الناس ويلتذ به البعض مع اتفاقهم على أنَّ لهم طعماً واحداً وكذلك اللون فلم يكن للتصريح بالتعميم حاجةً.