وهذا ظاهر عبارة الزمخشري حيث قال : ومعناه الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه. وقال ابن عطية : المشهور من استعمال العرب أنك تقول : هذا أولى بك من هذا، أي أحق. وقد تستعمل العرب « أولى لك » فقط على جهة الحذف والاخْتِصَار؛ لما معها من القول فتقول : أولى لك يا فلان على جهة الزجر والوعيد. انتهى.
وقال أبو البقاء : أَوْلَى مؤنثة أَوْلاة. وفيه نظر؛ لأن ذلك إنما يكون في التذكير والتأنيث الحقيقيين؛ أما التأنيث اللفظي وفلا يقال فيه ذلك. وسيأتي له مزيد بيان في القيامة إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
قوله :﴿ طَاعَةٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه خبر « أَوْلَى » على ما تقدم.
الثاني : أنها صفة « لِسُورَة » أي فإذا أنزلت سُورَةٌ محكمة « طاعة » أي ذات طاعة أو مطاعة. ذكره مكي، وأبو البَقَاءِ. وفيه بُعْد لكثرة الفواصل.
الثالث : أنها مبتدأ و « قَوْل » عطف عليها والخبر محذوف تقديره : أَمْثَلُ لَكُمْ مِنْ غَيْرِهِمَا. وقدّر مَكِّيٌّ منَّا طاعةٌ فقدّره مقدَّماً.
الرابع : أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي أمْرُنَا طَاعَةٌ.
الخامس : أن لهم خبر مقدم وطاعة مبتدأ مؤخر. والوقف والابتداء يُعْرَفَانِ مما تقدم.

فصل


قال المفسريون : قوله : طاعة وقول معروف ابتداء محذوف الخبر، تقديره طاعة وقول معروف أمثل، أي لو أطاعوا وقالوا قولاً معروفاً كان أمثل وأحسن. وساغ الابتداء بالنكرة، لأنها وُصِفَتْ بدليل قوله :﴿ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ ﴾ فإنه موصوف فكأنه تعالى قال : كاعة مخلصةً وقولٌ معروف خير. وقيل : يقول المنافقون قبل نزول السورة المحكمة طاعة رفع على الحكاية أي أمرنا طاعة، أو منا طاعة وقول معروف : حسن.
وقيلأ :« متَّصل ». واللام في قوله :« لَهُمْ » بمعنى الباء أي فأولى بهم طاعة الله ورسوله وقول معروف بالإجابة، أي لو أطاعوا الله كانت الطاعة والإجابة أولى بهم. وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عَطَاءٍ.
قوله :﴿ فَإِذَا عَزَمَ الأمر ﴾ في جوابها ثلاثة أوجه :
أحدهما : قوله :﴿ فَلَوْ صَدَقُواْ ﴾ نحو : إذَا جَاءنِي طَعَامٌ فَلَوْ جِئْتَنِي أَطْعَمْتُكَ.
الثاني : أنه محذوف تقيدره : فَاصْدُقْ، كذا قدره أبو البقاء.
الثالث : أن تقديرنا ناقضوا. وقيل : تقديره كرهوا ذلك. وعَزَمَ الأمْر على سبيل الإسناد المجازي كَقوله :
٤٤٧٨ قَدْ جَدَّتِ الْحَرْبُ بِكُمْ فَجِدُّوا... أو يكون على حذف مضاف أي عَزَمَ أَهْلُ الأمر. وقال المفسرون : معناه إذا جدَّ الأمر ولزم فرض القتال خالفوا وتخلفوا فلو صدقوا لله في إظهار الإيمان والطاعة لكان خيراً لهم. وقيل : جواب إذا محذوف تقديره فإذا عزم الأمر لكلُّوا أو كذبوا فيما وعدو ولو صدقوا لكان خيراً لهم.
قوله :﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ ﴾ أي فلعلكم إن توليتم أعرضتهم عن القرآن وفارقتم أحكامه ﴿ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرض ﴾، تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية تفسدوا في الأرْضِ بالمعيصية والبَغْي وسَفْكِ الدماء وترجعون إلى الفُرْقة بعدما جمعكم الله بالإسلام!
قوله :﴿ أَن تُفْسِدُواْ ﴾ خبر عسى.


الصفحة التالية
Icon