ثم بين ذلك بقوله :﴿ هَا أَنتُمْ هؤلاء ﴾ قد طلبت منكم اليسير فيحكم فكيف لو طلبت منك الكل؟
قوله :﴿ هَا أَنتُمْ هؤلاء ﴾ ( قال الزمخشري : هؤلاء ) موصول صلته « تدعون » أي أنتم الذين تدعون أو أنتم يا مخاطَبُون هؤلاء المؤمنون. ثم استأنف وصفهم كأنهم قالو : وما وَصْفُنَا؟ فقيل : تُدْعَوْنَ. وقال ابن الخطيب :« هؤلاء » تحتمل وجهينِ :
أحدهما : أن تكون موصولة كأنه قال : أنتم الذين تُدْعَوْنَ لتنفقوا في سبيل الله.
وثانيهما : هؤلاء وحدها خبر « أنتم » كما يقال :« : أنت ( أنت و ) أنت هذا تحقيقاً لشهرة والظهور أي ظهور أثركم بحث لا حاجة إلى الإخبار عنكم بأمْر مغاير. وقد تقدم الكلام على قوله :﴿ هَا أَنتُمْ هؤلاء ﴾ مُشْبَعاً في آلِ عِمْرَانَ.
وقوله :»
تُدْعَوْنَ « أي إلى الإنفاق إما في سبيل الله بالجهاد وإما صرفه إلى المستحقين من إخوانكم. قوله :﴿ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ﴾ بما فرض عليه من الزكاة ﴿ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ﴾ أي إن ضرر ذلك البخل عائد إليه فلا تظنوا أنهم ينفقون على غيرهم بل لا ينفقونه إلا على أنفسهم فإن من يبخل بأجرة ( الطّبيب ) وثمن الدواء وهو مريضٌ فلا يبخل إلا على نفسه ثم حقق ذلك بقوله :﴿ والله الغني ﴾ أي غير محتاج إلى مالكم وأتمه بقوله :﴿ وَأَنتُمُ الفقرآء ﴾ إليه وإلى ما عنده من الخير حتى لا تقولوا بأنا أغنياء عن القتال ودفع حاجة الفقراء.
قوله :﴿ يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ﴾ بَخِلَ وضنَّ يتعديان ب »
عَلَى « تارةً وب » عَنْ « أخرى.
والأجود أن يكون حال تعديهما ب : عَنْ »
مُضَمَّنَيْن معنى الإمساك.
قوله :﴿ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ ﴾ هذه الجملة ( الجملة الشرطية عطف على ) الشرطية قبلها. و « ثُمَّ لاَ يَكُونُوا » عطف على « يَسْتَبْدِلْ ».

فصل


ذكر بيان الاستغفار كما قال تعالى :﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [ فاطر : ١٦ ] قال المفسرون : إن تَتَوَلَّوْا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم بل يكونوا أمثل منكم وأطوع لله منكم. قال الكلبي : هم كِنْدَةُ والنَّخْعُ.
وقال الحسن : هم العجم. وقال عكرمة : فارس ( والروم ) لما روى أبو هريرة « أن رسول الله ﷺ تلا قوله تعالى :﴿ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم ﴾ قال يا رسول الله : من هؤلاء الذين إن تولينا اسْتُبْدِلُوا بنا، ثم لا يكونوا أمثالنا؟ فضرب على فَخدِ سَلْمَانَ الفَارسيِّ ثم قال : هذا وقومه ولو كان الدين عند الثُّرَيَّا لتناوله ورجالٌ من الفرس. وقيل : هم قوم من الأنْصارِ ».

فصل


قال ابن الخطيب : ههنا مسألة، وهي أن النُّحَاةَ قالوا : يجوز في المعطوف على جواب الشرط « بالواو والفاء وثُمَّ » الجزم والرفع، تقول : إنْ تَأتِنِي آتِكَ فَأُخْبِرُكَ بالجزم والرفع جميعاً، قال الله تعالى ههنا ﴿ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ﴾ وقال ﴿ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم ﴾ بالجزم وقال في موضع آخر :


الصفحة التالية
Icon