ويجوز أن ( يكون ) فتح مكة من حيث إنَّهُ جهادٌ للعدو سبَباً للغُفْران والثواب. وهذا الذي قاله مخالف لظاهر الآية، فإن اللام داخلة على المغفرة فتكمون المغفرة علة للفتح والفتح معلَّلٌ بها فكان ينبغي أن يقول : كيف جعل فتح مكة معلَّلاً بالمغفرة؟ ثم يقول : لم يجعل مُعَلَّلاً؟
وقال ابن الخطيب في جواب هذا السؤال وجهين : آخرين؛ فقال بعد أن حكى الأول وقال : إنَّ اجتماع الأربعة لم يثبت إلاَّ بالفتح فإنَّ النعمةَ به تَمَّتْ، والنُّصْرَةَ به عَمَت : الثاني : أن فتح مكة كان سبباً لتظهير بيت الله من رِجْز الأوثان وتظهير بيته صار سبباً لتظهير عبده. الثالث : أن الفتح سبب الحِجَج، والبحَجِّ تحصل المغفرة كما ال ﷺ في الحج « اللَّهُمّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُوراً وَسَعْياً مَشْكُوراً وَذَنْباً مَغْفُوراً ».
الرابع : المراد منه التعريف تقديره : إنَّا فتحنا لك لِتَعْرفَ أنك مغفور لك معصوم. وقال ابن عطية : المراد هنا أن الله فتح لك لِكَيْ يجعل الفتح علامة لَغُفْرَانِهِ لك فكأنها لام صيرورة. وهذا كلام ماش على الظاهر، وقال بعضهم : إنَّ هذه اللام لام القَسَم والأصل : لَيَغْفِرَنَّ فكسرت اللام تشبيهاً بلام « كي »، وحذفت النون. وَرُدَّ هذا بِأن اللام لا تكسر، وبأنها لا تنصب المضارع.
وقد يقال : إنَّ هذا ليس بنصب وإنما هو بقاءُ الفتح الذي كان قبل نون التوكيد بَقِيَ ليدل عليها ولكنه قول مردودٌ.
فصل
لم يكن للنبي صلى لله عليه وسلم ذنب فما يغفر له؟ فقيبل : المراد ذنب المؤمنين. وقيل : المراد ترك الأفْضل. وقيل : الصغائر فإنها جائزة على الأنبياء بالسهو والعَمْد. قال ابن الخطيب : وهي تصونهم عن العُجْبِ. وقيل : المراد بالمغفرة العِصْمة. ومعنى قوله :« وَمَا تَأَخَّر » قيل : إنه وعد النبي ﷺ بأنه لا يذنب بعد النُّبُوَّة. وقيل : ما تقدم على الفتح.
وقيل : هو للعموم، يقال : اضْرِبْ مَنْ لَقِيتَ وَمَنْ لاَ تَلْقَاهُ مع أن من لا تلقاه لا يمكن ضربه إشارة إلى العموم. وقيل : من قبل النبوة وبعدها ومعناه ما قبل النبوة بالفعو وما بعدها بالعصمة. وفيه وجوه أُخر ساقطة. قال ابن الخطيب : منها قول بعضهم : ما تقدم من أمر « مَارِيَةَ » « وَمَا تَأَخَّر » من أمر « زَيْنَبَ » وهو أبعد الوجوه وأَسْقَطُهَا لعدم الْتِئَامِ الكَلاَمِ.
قوله :﴿ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ﴾ قيل : إنَّ التكاليفَ عند الفتح تَمْتْ حيث وَجَب الحَجُّ وهو آخر التكاليف والتكاليف نعمة وقيل : يتم نعمته عليك بإخلاء الأرض من مُعَانِدِيكَ، فإنَّ مِنْ يوم الفتح لم يبق للنبي ﷺ عدوٌّ، فإن بعضهم قُتِلَ يوم بدر، والباقون آمنوا واستأمنوا يوم الفتح.