ومنها : أن يتعلق بقوله :« ويتم نِعْمَتَهُ عليك » فيستجيب دعاءك في الدنيا ويقبل شفاعتك في العُقْبَى ليدخل المؤمنين جنات. ومنها : أن يتعلق بأمر مفهوم من قرينة الحال وهو الأمر بالقتال لأنه لما ذكر الفتح والنصر علم أن الحالَ حالُ القِتَال، فكأنه تعالى قال : إنَّ الله تعالى أَمَرَ بالقتال ليدخل المؤمنين، أو عرف من قرينة الحال أَنَّ الله اختار المؤمنين ( فكأنه تعالى قال : اختار المؤمنين ) ليدخلهم جنات.
فإن قيل : ما الحكمة في أنه تعالى ذكر في بعض المواضع المؤمنين والمؤمنات وفي بعضها اكتفى بذكر المؤمنين ودخلت المؤمنات فيهم كقوله تعالى :﴿ قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون ﴾ [ المؤمنون : ١ ] وقوله : وَبَشِّرِ الْموْمِنينَ بِأَنَّ لَهُمْ ( مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً ) ؟
فالجواب : أنه في المواضع التي فيها ما يُوهم اخْتِصَاصَ المؤمنين بالخير الموعود به مع مُشَارَكَةِ المؤمنات لهم ذَكَرَهُنَّ الله صريحاً وفي المواضع التي فيها ما يوهم ذلك اكتفى بدخولهن في المؤمنين كقوله :« وبشر المؤمنين » مع أنه علم من قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً ﴾ [ سبأ : ٢٨ ] العموم، فلا يوهم خروج المؤمنين عن البشارة. وأما ههنا فلما كان قوله تعالى :﴿ لِّيُدْخِلَ المؤمنين ﴾ متعلّقاً بفعل سابق وهو إما الأمر بالقتال أو الصبر فيه، أو النصرة ( بالمؤمنين ) أو الفتح بأيديهم على ما تقدم.
فَإدْخَالُ المؤمنين كان للقتال والمرأة لا تُقَاتِلُ فلا تدخل الجَنَّةَ الموعدَ بها فصرح الله بِذكرِهِنَّ، وكذا في قوله تعالى :﴿ إِنَّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ﴾ [ الأحزاب : ٣٥ ] ؛ لأن الموضع ذكر النساء وأحوالهن لقوله :﴿ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهلية الأولى وَأَقِمْنَ... وَآتِينَ... وَأَطِعْنَ... واذكرن مَا يتلى فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [ الأحزاب : ٣٣٣٤ ] فكان ذكر النساء هنا ( ك ) أصلاً لكن الرجال لما كان لهم ما للنساء من الأمر العظيم ذكرهم وذكرهن بفلظ مفرد من غير تبعية لما بينا ( أنَّ الأصل ذكرهن في ذلك الموضع ).
قوله :﴿ وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ فيه سؤال وهو أن تكفير السيئات قبل الإدخال فكيف ذكره بعد ذكر الإدخال؟ والجواب من وجهين :
أحدهما : أن الواو لا تقتضي التريتب.
والثاني : أن تكفير السيئات والمغفرة من توابع كون المكلف من أهل الجنة فقدم الإدخال في الذكر بمعنى أنه من أهل الجنة.
قوله :﴿ ذَلِكَ عِندَ الله فَوْزاً عَظِيماً ﴾ « عِنْدَا اللهِ » متعلق بمحذوف على أنه حال من « فَوْزاً » لأنه صفته في الأصل. وجوز أبو البقاء أن يكون ظرفاً لمَكَان. وفيه خلاف. وأن يكون ظرفاً لمحذوف دل عليه الفوز، أي يفوزون عند الله ولا يتعلق « بفَوْزاً » ؛ لأنه مصدر فلا يتقدم معموله عليه. من اغتفر ذلك في الظرف جوزه. قال ابن الخطيب : معناه أن ذلك الإدخال والتكفير في علم الله فوز عظيم يقال : عندي هذا الأمر على هذا الوجه أي في اعتقادي.


الصفحة التالية
Icon