قوله تعالى :﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ﴾ على أمتك بما يفعلون، كما قال تعالى :﴿ وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] أنه لا إله إلا الله وكما قال تعالى :﴿ شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم ﴾ [ آل عمران : ١٨ ]. وهم الأبنياء « وَمُبَشِّراً » من قبل شهادته ويحكم بها « ونَذِيراً » لمن ردَّ شهادته.
ثم بين فائدة الإرسال فقال :﴿ لِّتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ ﴾ أي تعينوه وتنصوره « وَتُوَقِّرُوهُ » أي تُعظموه وتُفخموه، هذه الكنايات راجعة إلى النبي ﷺ وههنا وقف. ثم قال وتسبحوه، أي تسبحوا الله، يريد يصلوا له بكرةً وَأصيلاً بالغَدََاةِ والعشيّّ.
وقيل : الكنايات راجعة إلى لله تعالى، أي ليؤمنوا بالله ورسوله ويعزروا الله بتقوية دينه، ويوقروه الله الذي يُعَظِّموه.
قوله :« لِتُؤْمِنُوا » قرأ ابن كثير وأبو عمرو ليُؤْمِنُوا وما بعده بالياء من تحت رجوعاً إلى قوله المؤمنين والمؤمنات. والباقون بتاء الخطاب ( وقرأ الجَحْدريّ يَعَزُّرُوه بفتح الياء وضم الزاي وهو أيضاً وجعفر بن محمد كذلك إلا أنهما كسرا الزاي. وابن عباس واليماني ويُعَزِّزُوهُ كالعامَّة إلا أنه بزايَين من العِزَّة.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله في الأحزاب :﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥٤٦ ] وههنا اقتصر على الثلاثة الأول؟.
فالجواب من وجهين :
أحدهما : أن ذلك المقام كان مقام ذكر، لأن أكثر السورة ذكر الرسول وأحواله وما تقدمه من المبايعة و الوعد بالدخول ففصل هناك ولم يفصل هنا.
وثانيهما : أن قوله :« شاهداً » لما لم يقتض أن يكون داعياً لجواز أن يقول مع نفسه أشهد أن لا إله إلا الله ولا يدعو الناس قال هناك :« وَدَاعِياً » كذلك ههنا لما لم يكن كونه شاهداً ينبىء عن كونه داعياً قال : ليؤمنوا بالله ويعزروه ويوقروهُ. وقوله :« بكرة وأصيلاً » يحتمل أن يكون إشارة إلى المداومة، ويحتمل أن يكون لمخالفة عمل المشركين، فإنهم كانوا يعبدون الأصنام في الكعبة بكرة وعشيَّةً، فأمر الله بالتسبيح في أوقات ذكرهم الفَحْشَاء والمُنْكَر.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ ﴾ يا محمَّدُ بالحديبية على أن لا يفروا ﴿ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله ﴾ لأنهم باعوا أنفسهم من الله تعالى بالجنة، روى يزيدُ بن ( أبي ) عبيد قال : قلت لسلمةَ بْنِ الأكوع : على أيِّ شيء بايعتم رسولَ الله ﷺ يوم الحديبية؟ قال : على الموت.
قوله :﴿ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله ﴾ خبر « إنَّ الَّذِينَ » و ﴿ يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾ جملة حالية، أو خبر ثان وهو ترشيح للمجاز في مبايعة الله. وقرأ تمام بن العباس : يبايعون للهِ، والمفعول محذوف أي إنما يبايعونَكَ لأجل الله.
قوله :﴿ يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾ لما بين أنه مرسل ذكر أن من بايعهُ فقد بايع الحقّ.