والفرق بين حال هؤلاء وبين حال ثعلبة من وجهين :
أحدهما : أن ثعلبة يجوز أن يقال حاله لم يكن يتغير في علم الله فلم يبين لتوبته علامة ) وحل الأعراب تغيرت، فإن بعد النبي ﷺ لم يبق من المنافقين على النفقا أحدٌ.
الثاني : أن الحاجة إلى بيان حال الجمع الكثير، والْجَمِّ الغفير، أمسّ؛ لأنه لولا البيان لأفضى الأمر إلى قيام الفتنة بين فِرَق الْمُسْلِمِينَ.
( « فصل »
قال ابن عباس ومجاهد : المراد بقوله ﴿ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ ﴾ : هم أصحاب فارس. وقال كعب : الروم وقال الحسن : فارس والروم. وقال سعيد بن جبير : هوازن وثقيف. وقال قتادة : هوازن وغطفان قوم حنين. وقال الزهري ومقاتل وجماعة : هم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة الكذاب. وقال رافع بن خديج : كنا نقرأ هذه الآية ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم. وقال أبو هريرة : لم تأت هذه الآية بعد ).
قوله :﴿ أَوْ يُسْلِمُونَ ﴾ العامة على رفعه بإثبات النون عطفاً على « تُقَاتِلُونَهُمْ » أو على الاستئناف أي أو هُمْ يُسْلِمُونَ. وقرأ أبيّ وزيدُ بن عليٍّ بحذف النون نصباً بحذفها.
والنصب بإضمار « أن » عند جمهور البصريين، وب « أو » نفسها عند الجَرْمي والكِسَائيِّ، ويكون قد عطف مصدراً مؤولاً على مصدر متوهم كأنه قيل : يكون قتالٌ أو إسلامٌ. ومثله في النصب قول امرىء القيس :
٤٤٩١ فَقُلْتُ لَهُ لاَ تَبْكِ عَيْنُكَ إنَّمَا | نُحَاوِلُ مُلْكاً أَوْ نَمُوتَ فَنُعْذَرَا |
( « فصل »
معنى قوله : تقاتلونهم أن يسلمون إشارة إلى أن أحدهما يقع؛ لأن « أو » تبين المتغايرين وتُنْبِىءُ عن الحصر، يقال : العدد زوجٌ أو فردٌ، ولهذا لا يصح قوله القائل : هذا زيدٌ أو ابن عمرو؛ أذا كان زيد ابن عمرو؛ إذا علم هذا فقول القائل : أُلاَزِمُكَ أَوْ تَقضينِي حَقِّي معناه أن الزمان انحصر في قسمين : قسم يكون فيه الملازمة، وقسم يكون فيه قضاءُ الحق فيكون قوله :« أُلاَزِمُكَ أو تقضيني »، كقوله : ألازمك إلى أن تقضيني، لامتداد زمان الملازمة إلى القضاء ).
قوله :﴿ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ الله أَجْراً حَسَناً ﴾ يعني الجنة ﴿ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ ﴾ تُعْرِضُوا ﴿ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ ﴾ عام الحديبية ﴿ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ وهو النار، فلما نزلت هذه الآية قال أهل الزمانة : كيف بنا يا رسول الله؟ فأنزل الله عزّ وجلّ ﴿ لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ ﴾ أي في التخلف عن الجهاد ﴿ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ ﴾.