والعامة على فتح الهاء وسكون الدال، وروي عن أبي عمرو وعاصم وغيرهما كسر الدال وتشديد الياء. وحكى ابن خالويه ثلاث لغات الهَدْي وهي الشهيرة لغة قريش، والهَدِيّ والهَدَا.
قوله :« مَعْكُوفاً » حال من الهدى أي محبوساً، يقال : عَكَفْتُ الرَّجُلَ عن حاجته.
وأنكر الفارس تعدية « عكف » بنفسه، وأثبتها ابن سِيدَهْ والأزهريّ وغيرُهُمَا. وهو ظاهر القرآن لبناء اسم مفعول منه.
قوله :﴿ أَن يَبْلُغَ ﴾ فيه أوجه :
أحدها : أنه على إسقاط الخافض، أي « عَنْ » أو « مِنْ أن » وحينئذ يجوز في هذا الجار المقدر أن يتعلق « صَدُّوكُمْ » وأن يتعلق ب « مَعْكُوفاً » أي محبوساً عن بلوغ مَحِلِّهِ.
الثاني : أنه مفعول من أجله، وحينئذ يجوز أن يكون علة للصد، والتقدير : صدوا الهدي كراهة أن يبلغ محله وأن يكون علة ل « مَعْكُوفاً » أي لأجل أن يبلغ محله، ويكون الحبس من المسلِمِينَ.
الثالث : أنه بدل من « الهدي » بدل اشتمال أي صدوا بلوغ الهدي محله.
( فصل
معنى الآية ﴿ هُمُ الذين كَفَرُواْ ﴾ يعنى كفار مكة « وَصَدُّوكُمْ » منعوكم ﴿ عَنِ المسجد الحرام ﴾ أن تطوفوا فيه « وَالهَدْيَ » أي وصدوا الهدي وهي البُدْنُ التي ساقها رسول الله ﷺ وكانت سبعينَ بدنةً « مَعْكُوفاً » محبوساً، يقال : عَكَفَهُ عَكْفاً إذا حبسه، وعُكُوفاً، كما يقال : رَجَعَ رَجْعاً ورُجُوعاً ﴿ أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ﴾ مَنْحَرَهُ، وحيث يحِلّ نحرُه يعني الحرم. ثم قال :﴿ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ ﴾ يعني المستضعفين بمكة ).
قوله :﴿ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ ﴾ صفة للصِّنْفين، وغلب الذكور، وقوله :﴿ أَن تَطَئُوهُمْ ﴾ يجوز أن يكون بطلاً من « رجال ونساء »، وغلب الذكور كما تقدم وأن يكون بدلاً من مفعول تَعْلَمُوهُمْ، فالتقدير على الأول : ولولا وطءُ رجالٍ ونساءٍ غيرِ معلومين، وتقدير الثاني : لم تَعْلَمُوا وَطْأَهُمْ، والخبر محذوف تقديره : ولولا نساء ورجال موجودون أو بالحَضْرَةِ.
( وأما جواب « لولا » ففيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه محذوف، لدلالة جواب « لو » عليه.
والثاني : أنه مذكور وهو « لَعَذَّبْنَا » وجواب « لو » هو المحذوف فحذف من الأول لدلالة الثاني، ومن الثاني لدلالة الأول.
والثالث : أن « لعذبنا » جوابهما معاً. وهو بعيد إن أراد حقيقة ذلك.
وقال الزمخشرري قريباً من هذا فإنه قال : ويجوز أن يكون :« لَوْ تَزَيَّلُوا » كالتكرير لِلَوْلاَ رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ لمرجعهما إلى معنى واحد، ويكون « لَعَذَّبْنَا » هو الجواب.
ومنع أبو حيان مرجعهما لمعنى واحد، قال : لأن ما تعلق به الأَوَّل غيرُ ما تعلَّق به الثاني ).
فصل
المعنى « لم تعلموهم » لم تَعْرِفُوهُم ﴿ أَن تَطَئُوهُمْ ﴾ بالقتل وتُوقعوا بهم. ﴿ فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ ﴾. قال ابن زيد إثم ذلك لأنكم ربما تقتلوهم فيلزمكم الكفَّار، وهي دليل الإثم، لأن الله تعالى أوجب على قاتل المؤمن في دار الحرب إذا لم يعلم إيمانه الكفارة دون الدِّيَةِ؛ قال تعالى :