قال ابن الخطيب في إذ : يحتمل أن يكون ظرفاً، فلا بد من فعل يقع فيه ويكون عاملاً له، ويحتمل أن يكون مفعولاً به، فإن قلنا : إنه ظرف فالفعل الواقع فيه يحتمل أن يكون مذكوراً ويحتمل أن يكون غير مذكور، فإن كان مذكوراً ففيه وجهان :
أحدهما : هو قوله تعالى :﴿ وَصَدُّوكُمْ ﴾ أي وصدوكم حِينَ جَعَلُوا في قلوبهم الحَمِيَّة فلا يرجعون إلى الإسلام.
وثانيهما : المؤمنون لما أنزل الله عليهم سكينته لا يتركون الاجتهاد في الجهاد والله مع المُؤمنين.
فإن قلنا : إنه غير مذكور ففيه وجهان :
أحدهما : حفظ الله المؤمنين عن أن يَطَئُوهم إذ جعل الذين كفروا في قولبهم الحمية.
وثانيهما : أحسن الله إليكم إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية. وعلى هذا فقوله :« فَأَنْزَلَ السَّكيِنَةَ » تفسير لذلك الإحسان. وإن قلنا : إنه مفعول به فتقديره اذكر ذلك الوقت كقولك : اذْكُر إِذْْ قَامَ زَيْدٌ أي اذكر وَقْتَ قيامه. وعلى هذا يكون « إذْ » ظرفاً للفعل المضاف إليه.
قوله :« فِي قُلُوبِهِمْ » يجوز أن يتعلرق ب « جَعَلَ » على أنها بمعنى « أَلْقَى »، فتتعدى لواحد؛ أي إِذْ أَلْقَى الكافرون في قلوبهم الحمية، وأن يتعلق بمحذوف على أنه مفعول ثانٍ قدم على أنها بمعنى صيّر.
قوله :« حَمِيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ » بدل من « الحمية » قبلها، والحمية الأنَفَةُ من الشيء، وأنشدوا للمتلمس :

٤٤٩٦ أَلاَ إِنَّنِي مِنْهُمْ وَعِرْضِي عِرْضُهُمْ كَذَا الرَّأْسِ يَحْمِي أَنْفَهُ أَنْ يُهَشَّمَا
وهي المنع، ووزنها فَعِيلَةٌ، وهي مصدر، يقال : حَمَيْتُ عن كذا أَحْمِيه ( حَمِيَّةً ).
( فصل
المعنى : إذ جعل الذين كفوروا في قلوبهم الحمية حين صدوا رسول الله ﷺ وأصحابه عن البيت، وأنكروا أَنَّ محمداً رسول الله. قال مقاتل : قال أهل مكة قد قتلوا أبناءنا وإخوانَنَا ثم يدخلون علينا فتتحدث العرب أنهم دخلوا علينا على رغم أنفنا، واللاتِ والعُزَّ لا يدخلونها علينا. فهذه حَمِيَّة الجاهلية التي دخلت قلوبهم ).
قله :﴿ فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين ﴾ حين لم يدخلهم ما دخلهم من الحمية فعصوا الله في قتالهم. قال ابن الخطيب : دخول الفاء في قوله :﴿ فَأَنزَلَ الله ﴾ يدل على تعلق الإنزال أو ترتيبه على ما ذكرنا من أن « إِذْ » ظرف لفعل مقدر كأنه قال : أحْسَنَ اللهُ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا. « فأنزل » تفسير لذلك الإحسان، كما يقال :« اَكْرَمَنِي فَأَعْطَانِي لتفسير الإكرام. ويحتمل أن تكون الفاء للدلالة على تعلق إنزال السكينة بجعلهم الحمية في قلوبهم على معنى المقابلة تقول : أَكْرَمِنِي فَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ.
( قوله :﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى ﴾ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وعكرمة والسدي وابن زيد وأكثر المفسرين : كلمة التقوى لا إله إلا الله.


الصفحة التالية
Icon