قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمنوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فتبينوا ﴾ قال المفسرون : نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو أخو عثمان لأمه بعثه رسول الله ﷺ إلى بني المصطلق بعد الموقعة والياً ومصدقاً، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية فلما سمع به القوم تَلقَّوْه تعظيماً لأمر رسول الله ﷺ فحثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم فرجع من الطريق إلى رسول الله ﷺ وقال : إنهم منعوا صدقاتهم وأراد قتلي، فغضب رسول الله ﷺ وهمَّ أن يَغْزُوَهُمْ فبلغ القومَ رجوعُه فأتوا رسول الله ﷺ فقالوا : يا رسول الله : سَمِعْنَا برسُولك فخرجنا نلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله تعالى فأبطأ في الرجوع فخشينا أنه إنما ردّه من الطريق كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله. فاتَّهمُهمْ رسول الله ﷺ وبعث خالدَ بنَ الوليد خفْيةً في عسكره وقال : انظر فإن رأيت منهم ما يدل على إيمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم وإن لم تَرَ ذلك فاستعمل فيهم ما يستعمل في الكفار، ففعل ذلك خال ووافاهم فسمع منهم أذان صلاتي المغرب والعشاء فأخذ منهم صدقاتهم ولم يَرَ منه إلا الطاعة والخَيْرَ وانصرف إلى رسول الله ﷺ وأخبره فنزل ﴿ ياأيها الذين آمنوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ ﴾ يعني الوليد بن عقبة « بِنَبأ » بخبر، ﴿ فتبينوا أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ ﴾ كيلا تصيبوا بالقتل والقتال قوماً بجالهة ﴿ فَتُصْبِحُواْ على مَا فَعَلْتُمْ ﴾ من إصابتكم بالخَطَأ، « نَادِمينَ ».
قال ابن الخطيب : وهذا ضعيف، لأن الله تعالى لم يقل : إني أنزلتها لكذا والنبي ﷺ لم ينقل عنه أنه قال : وردت الآية لبيان ذلك حسب، غاية ما في الباب أنها نزلت في ذلك الوقت وهو مثل تاريخ نزول الآية، ومما يصدِّق ذلك ويؤكده أن إطلاق لفظ الفاسق على الوليد، بعيد لأنه توهم وظن فأخطأ، والمخطىء لا يسمَّى فاسقاً، وكيف والفاسق في أكثر المواضع المراد به من خرج عن رتبة الإيمان، كقوله تعالى :﴿ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين ﴾ [ المنافقون : ٦ ] وقوله تعالى :﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ [ الكهف : ٥٠ ] وقوله :﴿ وَأَمَّا الذين فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ النار كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا ﴾ [ السجدة : ٢٠ ] إلى غير ذلك؟!.
فصل
دلت الآية على أن خبر الواحد حجة وشهادة الفاسق لا تقبل أما في المسألة الأولى فلأنه علل الأمر بالتوقف بكونه فاسقاً ولو كان خبر الواحد العدل لا يقبل لما كان للترتيب على النسق فائدة وأما في المسألة الثانية فلوجهين :
أحدهما : أنه أمر بالتبين وقيل قوله كان الحاكم مأموراً بالتبين، فلم يفد قوله الفاسق شيئاً، ثم إنَّ الله تعالى أمر بالتبين في الخبر والنبأ وباب الشهادة أضيق من باب الخبر.