فإن قيل : لم قال ههنا :﴿ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بالعدل ﴾ ولم يذكر العدل في قوله :﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا ﴾ ؟
فالجواب : أن الإصلاح هناك بإزالة الاقتتال نفسه وذلك يكون بالنصيحة وبالتهديد والزجر والتعذيب والإصلاح ههنا بإزالة آثار الاقتتال بعد ارتفاعه من ضمان المتلفات وهو حكم فقال :« بالْعَدْلِ » فكأنه قال : فاحكموا بينهما بعد تركهما القتال بالحق وأَصْلِحُوا بالْعَدْلش فيما يكون بينهما لئلا يؤدي إلى ثَوَرَان الفتنة بينهما مرة أخرى.
فإن قيل : لما قال : فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بالعدل فأيةُ فائدة في قوله : وَأَقْسِطُوا؟
فالجواب : أنّ قوله :« فَأَصْلحُوا بَيْنَهُمَا » كأن فيه تخصيصاً بحال الاقتتال فعمَّ الأمر بالعدل وقال : وأقصدوا أي في ( كل ) أمر فإنه مفض إلى أشرف درجة وأرفع منزلة وهي محبة الله والإقساط أزالة وهو الجَوْر والقَاسِطِّ هو الجَائِرُ.
قوله :﴿ إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ ﴾ أي في الدين، والولاية. وقال بعض أهل اللغة : الإخوة جمع الأَخ، من النَّسب والإخْوَانُ جمع الأخ من الصَّداقة، والله تعالى قال :﴿ إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ ﴾ تأكيداً للأمْر وإشارة إلى أن مابين الإخووة من الإسلام والنسب لهم كالأب. قال قائلهم ( رحمةُ الله عليه ) :
٤٥٠٢ أَبي الإسْلاَمُ لاَ أَبَ لِي سِوَاهُ | إذَا افْتَخَرُوا بِقَيْسٍ أَو تَمِيمِ |
فصل
المعنى : فاتقوا الله ولا تَعْصُوا ولا تُخَالفوا أمره « لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ » قال ﷺ « المُسْلِمُ أَخُوا الْمُسْلِم لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَشْتُمُه مَنْ كَانَ فِي حَاجَة أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بَها كُرْبَةً مِنْ كُرَب يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ».
فإن قيل : عند إصلاح الفريقين والطائفتين لم يقل : اتَّقُوا وقال هَهُننَا اتَّقوا مع أنَّ ذلك أهم؟
فالجواب : أنّ الاقتتال بين طائفتين يُفضي إلى أنْ تَعُمَّ المفسدة ويلحق كل من مؤمن منها شيء وكل يسعى في الإصلاح لأمر نفسه فلم يؤكد بالأمر بالتقوى وأما عند تخاصم رَجُلَيْن لا يخاف الناس ذلك وربما يريد بعضهم تأكيد الخِصَام بين الخصوم ولغرض فاسد، فقال :﴿ فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله ﴾ أو يقال : قوله : وأصْلِحُوا إشارة الإصلاح، وقوله :« وَاتَّقُوا اللهَ » إشارة ما يصيبهم عن المُشَاجَرَة، وإيذاء قلب الأخ؛ لأن من اتقى الله شغله تقواه عن الاشتغال بغيره، قال ﷺ :« الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهٍ »