فأنزل الله عزَّ وجلَّ :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ اجتنبوا كَثِيراً مِّنَ الظن ﴾.

فصل


قال سفيان الثوري : الظّنُّ ظنان :
أحدهما : إثم وهو أن يُظَنَّ ويتكلم به.
والأخر : ليس بإثم وهو أن يظن، ولا يتكلم به، قال ﷺ :« إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإنَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الْحَدِيثِ ».
قوله :: « إثْمٌ » جعل الزمخشري همزهُ بدلاً من واو قال : لأنه يَثِمُ الأَعْمَال أي يكسرها وهذا غير مُسَلَّمٍ بلْ تلك مادةٌ أخرى.
قوله :« وَلاَ تَجَسَّسُوا » التجسس التَّتبعُ، ومنه الجَاسُوسُ، والجَسَّاسَةُ، وجواسّ الإنسان وحَوَاسُّهُ ومشاعره، وقد قرأ هنا بالحاء الحَسَنُ وأبو رجاء وابنُ سِيرِينَ.

فصل


التجسس هو البحث عن عيوب الناس فنهى الله تعالى عن البحث عن المستورين من الناس وتتبع عوراتهم قال ﷺ :« لا تَجَسَّسُوا وَلاَ تَبَاغََضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْواناً » وقال ﷺ :« يا مَعْشَرَ مَنْ آمنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَفِضِ الإيمَانُ إلى قَلْبِهِ لاَ تَغْتَابُوا المُسْلِمِينَ وَلا تَتَبَّعُوا عَوْرَاتِهم فإنه من تتبَّع عوراتِ المسلمين تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحُهُ وَلَو فِي جَوْفِ رَحْلِهِ » ونظر عمر يوماً إلى الكعبة فقال : ما أعظَمِكَ وأعْظَمَ حُرْمَتِكَ والمُؤْمنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْكِ عِنْدَ الله. وقيل لابن مسعود : هل لك في الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمراً؟ فقال : إنَّا قَدْ نُهينا عَنِ التَّجَسُّسِ فإن يظهر لنا شيئاً نأخذه به.

فصل


واعلم أن الظن تُبْنَى عليه القبائح فالعاقل إذا وَقَفَ أموره على اليقين قلَّ ما يتقّن في أحد عيباً يلمزه به لأن الوعظ في الصورة قد يكون قبيحاً وفي نفس الأمر لا يكون كذلك؛ لأن الفعل قد يكون فاعله ساهياً أو يكون الرأي مخطئاً، وقوله تعالى :﴿ كَثِيراً مِّنَ الظن ﴾ إخراج للظنون التي تبنى عليها الخيرات.
قال ﷺ « ظُنّوا بالْمُؤْمِن خَيْراً » وقوله :﴿ إِنَّ بَعْضَ الظن إِثْمٌ ﴾ إشارة إلى الأخذ بالأحوط. وقوله :« وَلاَ تَجَسَّسُوا » إتمامٌ لذلك لأنه تعالى لما قال :﴿ اجتنبوا كثيراً من الظن ﴾ فهم منه أن المعتبر اليقين. وقوله :﴿ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً ﴾ أي لا يتناول بعضكُم بَعْضاً في غَيْبَتِهِ بما يَسوؤه مما هو فيه.
« قال ﷺ :» أَتَدْرُونَ مَا الْغَيبةُ؟ « قالوا : الله ورسوله أَعلَم قال : ذكرُك أَخَاكَ بما يَكْرَهُ. قيل : أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد أغْتَبْتَهُ وإن لم يكن فيه ما تَقُولُ فقد بَهَتَّهُ »


الصفحة التالية
Icon