فصل


قال ابن الخطيب : في المراد بالآية وجهان :
الأول : أن التقوى تفيد الإكرام.
والثاني : أن الإكرام يورث التقوى، كما يقال : المخلصون على خَطَر. والأول أشهر، والثاني أظهر.
فإن قيل : التقوى من الأعمال والعلم أشرف لقوله ﷺ :« لَفَقِيهُ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابدٍ ».
فالجواب : أن التقوى ثمرة العلم لقوله تعالى :﴿ إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء ﴾ [ فاطر : ٢٨ ] فلا تقوى إلا العالم فالملتقي العالم أتم علمه والعالم الذي لا يتقي كشجرةٍ لا ثَمَر لها لكن الشجرة المثمرة أشرفُ من الشَّجَرةِ التي لا تُثْمر بل هي حطب وكذلك العالم الذي لا يتّقي حَصَبُ جهنم، وأما العابد الذي يفضل عليه الفيه فهو الذي لا علم له وحينئذ لا يكون عنده من خشية الله نِصَابٌ كامل، ولعلمه يعبده مخالفة الإلقاء في النار فهو كالمكره، أو لدخول الجنة، فهو يعمل كالفاعل له أجره ويرجع إلى نيته، والمتقي هو العالم بالله المواظب لِبَابِهِ.
فإن قيل : خطاب الناس بقوله :« اَكْرَمَكُمْ » يقتضي اشتراك الكال في الإكرام ولا كرامة للكافر فإنه أضل من الأنعام.
فالجواب : ذلك غير لازم أنه بدليل قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [ الإسراء : ٧٠ ] لأن كل من خلق فقد اعترف بربه، ثم من استمر عليه وزَاد زِيدَ في كرامته، ومن رجع عنه أُزِيلَ عن الكرامة.
ثم قال تعالى :﴿ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ أي عليم بظواهركم يعلم أنسابكم خبير ببواطنكم لا يخفى عليه أسراركم فاجعلوا التقوى زادكم.


الصفحة التالية
Icon