وسيأتي بقية الكلام عن ذلك في الذَّاريات عند قوله :﴿ فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ المؤمنين فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ المسلمين ﴾ [ الذاريات : ٣٥ و٣٦ ] إن شاء الله تعالى.
قال ابن الخطيب : وفي الآية إشارة إلى بيان حال المؤلَّفة إذا أسلموا ويكون إيمانهم ( ( بعد ) ضعيفاً ) قال لهم : لَمْ تؤمنوا لأن الإيمان أيقانٌ وذلك بعد لم يدخل في قلوبكم وسيدخل باطّلاعكم على محاسن الإسلام.
قوله :﴿ وَإِن تُطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ ﴾ أي ظاهراً وباطناً سراً وعلانية. قال ابن عباس : تُخْلِصُوا الإيمان.
قوله :« لاَ يَلتكُمْ » قرأ أبو عمرو :« لا يألتكم » بالهمز من أَلَتَهُ يَأْلِتُهُ بالفتح في الماض والكسر والضم في المضارع لقوله :﴿ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ﴾ [ الطور : ٢١ ] والسُّوسِيّ يبدل الهمزة ألفاً على أصله.
والباقون :: يُلِتْكُمْ « من لاَتَهُ يليتُه كَباعَهُ يَبِيعُهُ. وهما لغتان معناهما لا يَنْقُصُكُمْ، فالأولى لغة غَطَفَان وأسدٍ والثانية لغة الحِجَاز، يقال : أَلتَ يأْلُتُ أَلْتاً، ولاَتَ يِليتُ لَيْتاً، وقيل : هي من وَلَتَهُ يَلِتُهُ كوَعَدَهُ يَعِدُهُ، فالمحذوف على القول الأولى عينٌ الكلمة ووزنها : يَفِلْكُمْ وعلى الثاني فاؤها، ووزنها يَعِلْكُمْ ويقال أيضاً ألاَتَهُ ليتُه كأَبَاعَهُ يُبِيعُهُ وآلَتَهُ يُؤْلِتُهُ كآمن يُؤْمِنُ. وكلّها لغات في معنى نَقَصَهُ حَقَّهُ، قال الحطيئة :

٤٥٠٤ أَبْلِغْ سَرَاة بَنِي سَعْدٍ مُغَلْغَلَةً جَهْدَ الرِّسَالَةِ لاَ أَلْتاً ولاَ كَذِبَا
وقال رؤبة :
٤٥٠٥ ولَيْلَةٍ ذَاتِ نَدًى سَرَيْتُ وَلَمْ يَلِتْنِي عَنْ سُرَاهَا لَيْتُ
أي لم يمنعني ويَحْبِسْنِي.

فصل


قال ابن الخطيب : معنى قوله :( »
لاَ يَلِتْكُمْ « ) لا يَنْقُصُكُم، المراد منه أنكم إذا أتيتم بما يليق بضعِّفكُم من الحسنة فهو يؤتيتكم به من الجزاء؛ لأن من حمل إلى ملك فاكهة طيبةً يكون ثمنها في السوق درهماً فأعطاه الملك درهماً انتسب الملك إلى البخل، وإما معناه ألاّ يُعْطِي مثل ذلك من غير نقص أي يعطي ما تتوقعون بأعمالكم من غير نقص.
ثم قال :﴿ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ أي يغفر لكم ما قدم سلق ويرحمكم بما أتيتم به.


الصفحة التالية
Icon