قوله :﴿ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ ﴾ أعرابه كقوله :« أن أَسْلَمُوا ». وقرأ زيد بن علي : إِذْ هَدَاكُمْ بِإِذْ مَكَانَ « أنْ » وهي في مصحف عبد الله كذلك. وهي تفيد التعليل، وجواب الشرط مقدر أي فَهُوَ المَانُّ عليكم لا أَنتم عَلَيْه وعَلَيَّ.
فإن قيل : كيف مَنَّ عليهم بالهداية إلى الإيمان مع أنه تبين أنهم لم يؤمنوا؟.
فالجواب من ثلاث أوجه :
أحدها : أنه تعالى لم يقل : بل الله يمن عليكم أن رزقكم الإيمانَ بلْ قال : أنْ هَدَاكُمْ للإِيمان.
وثانيها : أنَّ إرسال الرسول بالآيات البينات هدايةٌ.
ثالثها : أنه تعالى يمنُّ عليهم بما زعموا فكأنه قال : أنتم قلتم آمنا فذلك نعمة في حقكم حيث تخلصتم من النار فقال : هداكم في زعمكم، و لهذا قال تعالى :﴿ إِنُ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾.
ثم قال تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ... ﴾ الآية؛ وهذا تقرير لأول السورة حيث قال :« إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَليمٌ »، فأخبر ههنا عن علمه وبصره.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض والله بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ قرأ ابن كثير بالغيبة، نظراً لوقله : يَمُنُّونَ وما بعده، والباقون بالخطاب، نظراً إلى قوله : لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلاَمَكُمْ إلى آخره، وفي هذه الآية إشارة أنه يُبْصرُ أعمال جوارحكم الظاهرة والباطنة، لا يخفى عليه شيءٌ.
قال ﷺ :« مَنْ قَرَأَ سُورَة الحُجُرَاتِ أُعْطِيَ مِنَ الأَجْر عَشْرَ حَسَنَاتٍ بِعَدَدِ مَنْ أَطَاعَ اللهَ وَعَصَاهُ » ( انتهى ).