[ ص : ٧١ ]. وختمه بحكاية بَدْء آدمَ، لأنَّه دليل الوحدانية، ولما كان افتتاح « ق » لبيان الحشر قال في آخرها :﴿ ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ﴾ [ ق : ٤٤ ].
فصل
قال ابن الخطيب : قد ذكرنا أن الحروف تنبيهات قدمت على القرآن ليكون السامع بسببها يقبل على استماع ما يرد على الأسماع، فلا يفوته شيء من الكلام الرائق والمعنى الفائق، وذكر أيضاً أن العبادة منها قلبية ومنها لسانية، ومنها خارجية ظاهرة ووجد في الخارجية ما عقل معناه ووجد فيها ما لم يعْقَلْ معناه كأعمال الحج من الرمي والسعي وغيرهما، ووجد في القلبية ما عقل بالدليل وعلم كالتوحيد وإمكان الحشر، وصفات الله تعالى، وصدق الرسل، ووجد فيها مَا لَمْ يُعْقَلْ ولا يمكن التصديق به لولا السمعُ كالصِّراط الممدود الأَحَدّ حَدًّا من السيف، الأرقّ من الشعر، والميزان الذي توزن به الأعمال، فكذلك ينبغي أن يكون الأذْكار التي هي العبادة اللسانية فيها ما يعْقَلُ معناه، كجميع القرآن إلاّ قليلاً منه، وفيها ما لا يعقل ولا يفهم كحروف التهجي ليكون التلفظ به لمحض الانقياد والأمر، لا لما يكون في الكلام من طيب الحكاية والقصد إلى غرض كقولنا :« رَبَّنا اغفرْ لنا وارحمنا » بل يكون النطق به تعبداً محضاً. ويؤيد هذا وجه آخر، وهو أن هذه الحروف مقسم بها لأن الله تعالى لما أقسم بالتِّين والزَّيْتُون تشريفاً لهما، فإذا أقسم بالحروف التي هي أصل الكلام الشريف الذي هو دليل المعرفة وآلة التعريف كان أولى.
وإذا عرف هذا نقول : القسم من الله تعالى وقع بأمر واحد كما في قوله تعالى :﴿ والعصر ﴾ [ العصر : ١ ] وقوله :﴿ والنجم ﴾ [ النجم : ١ ] وبحرف واحد كما في ﴿ ص ﴾ [ ص : ١ ] و ﴿ ق ﴾ [ ق : ١ ] ووقع بأمرين كما في قوله تعالى :﴿ والضحى والليل ﴾ [ الضحى : ١ و ٢ ] وفي قوله :﴿ والسمآء والطارق ﴾ [ الطارق : ١ ] وبحرفين كما في قوله :﴿ طه ﴾ [ طه : ١ ] و ﴿ طس ﴾ [ النمل : ١ ] و ﴿ حم﴾ [ غافر : ١ ]، ووقع بثلاثة أمور كما في قوله تعالى :﴿ والصافات صَفَّا فالزاجرات زَجْراً فالتاليات ذِكْراً ﴾ [ الصافات : ١ - ٣ ]. وقوله :﴿ والسمآء ذَاتِ البروج واليوم الموعود وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ [ البروج : ١ - ٣ ] وبثلاثة أحرف كما في قوله :﴿ الم ﴾ [ البقرة : ١ ]، و ﴿ طسم ﴾ [ الشعراء والقصص : ١ ] و ﴿ الر ﴾ [ هود : ١١ ] ووقع بأربعة أمور، كما في قوله تعالى :﴿ والذاريات ذَرْواً فالحاملات وِقْراً فالجاريات يُسْراً فالمقسمات أَمْراً ﴾ [ الذاريات : ١ - ٤ ] وفي قوله :﴿ والتين والزيتون وَطُورِ سِينِينَ وهذا البلد الأمين ﴾ [ التين : ١ - ٣ ]، وبأربعة أحرف كما في قوله :﴿ المص ﴾ [ الأعراف : ١ ] و ﴿ المر ﴾ [ الرعد : ١ ] ووقع بخمسة أمور كما في قوله تعالى :﴿ والطور وَكِتَابٍ مُّسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور ﴾ [ الطور : ١ - ٦ ] وفي قوله :﴿ والمرسلات عُرْفاً فالعاصفات عَصْفاً والناشرات نَشْراً فالفارقات فَرْقاً فالملقيات ذِكْراً ﴾ [ المرسلات : ١ - ٥ ] وفي النَّازِعاتِ وفي الفَجْر، وبخمسة أحرف كما في :﴿ كهيعص ﴾ [ مريم : ١ ] و ﴿ حمعاساقا ﴾ [ الشورى : ١ و ٢ ]، ولم يقسم بأكثر من خمسة أشياء إلا في سورة واحدة وهي الشَّمس :﴿ والشمس وَضُحَاهَا والقمر إِذَا تَلاَهَا والنهار إِذَا جَلاَّهَا والليل إِذَا يَغْشَاهَا والسمآء وَمَا بَنَاهَا والأرض وَمَا طَحَاهَا ﴾