قوله تعالى :﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ... ﴾ الآية ذكر المكذبين تذكيراً لهم بحالهم وأنذرهم بإهلاكهم، وفيه تسلية للرسول، وتنبيه بأن حالَهُ كحال من تقدمه من الرسل كُذبوا وصَبَرُوا فأهلك الله مكذّبيهم ونصرهم. والمراد بأصحاب الرَّسِّ قيل : هم قوم شعيب، وقيل : الذين جاءهم من أقصى المدينة رجل يسعى وهم من قوم عيسى - ﷺ - وقيل : هم أصحاب الأخْدود والرس إمَّا موضع نسبوا إليه، أو فَعْل وهو حَفْرُ البئر، يقال رسَّ إذا حفر بئراً. وقد تقدم في الفرقان. وقال ههنا :« قوم نوح »، وقال :« إخوان لوط » ؛ لأن لوطاً كان مرسلاً إلى طائفة من قوم إبراهيم هم معارف لوط، ونوح كان مرسلاً إلى خلْق عظيمٍ، وقال :« فرعون » ولم يقل :« قوم فرعون »، وقال :« قوم تبع » ؛ لأن فرعون كان هو المعتبر، المستبدّ بأمره، وتبَّع كان معتضداً بقومه فجعل الاعتبار لفرعون وخصه بالذكر. وتبع هو تبع الحِمْيرِيّ، واسمه سعد أبو كرب. قال قتادة : ذم الله قوم تبع ولم يذمه وتقدم ذكره في سورة الدخان.
قوله :« الأَيْكَة » تقدم الكلام عليها في الشعراء. وقرأ ههنا لَيْكَةَ - بزنة ليلة - أبو جعفر وشيبةُ، وقال أبو حيان : وقرأ أبو جعفر وشيبة وطلحة ونافع الأيكة - بلام التعريف - والجمور لَيْكَة. وهذا الذين نقله غفلة منه بل الخلاف المشهور إنما هو في سورة الشعراء و « ص » كما تقدم تحقيقه وأما هنا فالجمهور على لام التَّعرِيْف.
قوله :« كُلٌّ » التنوين عوض عن المضاف إليه. وكان بعض النحاة يُجيزُ ( حَذْفَ ) تنوينها وبناءَها على الضم كالغاية نحو : قَبْلُ وبَعْدُ. واللام في الرسل قيل لتعريف الجنس وهو أن كل واحد كذب جميع الرسل وذلك على وجهين :
أحدهما : أن المكذب للرسول مكذب لكل الرّسل.
وثانيهما : أن المذكورين كانوا منكرين للرسالة والحشر بالكلية.
قوله :« فَحَقَّ وَعِيدِ » أي وجب لهم عذابي أي ما أوعد الله تعالى من نُصرة الرسل عليهم وإهلاكهم.