قوله تعالى :﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ ﴾ يوم منصوب إما « بظَلاَّمٍ » ولا مفهوم لهذا؛ لأنه إذا لم يظلم في هذا اليوم فنفي الظلم عنه في غيره أحرى. أو بقوله :﴿ وَنُفِخَ فِي الصور ﴾ [ ق : ٢٠ ]. والإشارة بذلك إلى : يَوْمَ نَقُولُ. قاله الزمَخْشَريّ. واستبعده أبُو حَيَّان؛ لكثرة الفواصل أو باذْكُرْ مقدراً أو بأنْذِرْ. وهو على هذين الأخيرين مفعول به لا ظرف. وقرأ نافعٌ وأبو بكْرٍ : يَقُولُ لِجَهَنَّم بياء الغيبة، والفاعل : الله تعالى، لتقدم ذكره في قوله :﴿ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ ﴾ [ ق : ٢٨ ] والأعمش : يُقالُ مبنياً للمفعول. وقوله :« هَل امْتَلأتِ » وذلك لما سبق من وعده إياها أنه يملأها من الجنَّةِ والنَّاسِ وهذا السؤال من الله - عزّ وجلّ - لتصديق خبره وتحقيق وَعْدِهِ.
قوله :﴿ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴾ سؤال تقرير وتوقيف. وقيل : معناه النفي. وقيل : السؤال لخزنتها والجواب مبهم، فلا بدّ من حذف مضاف أي نقولُ لخزنة جهنم ويقولون ثم حذف. و « المزيد » يجوز أن يكون مصدراً أي مِنْ زيادةٍ وأن يكون اسمَ مفعول أي من شيءٍ تَزيدُونَه أَحْرِقُهُ.
فصل
قال المفسرون : معنى قوله : هل من مزيد أي قد امتلأتُ ولم يبق فِيَّ موضعٌ لم يمتلئ، فهو استفهام إنكار بمعنى الاستزادة، رواه أبو صالح عن ابن عباس ( رضي الله عنهم ) وعلى هذا يكون السؤال وهو قوله : هل امتَلأتِ قبل دخول جميع أهلها فيها. روي عن ابن عباس : أن الله تعالى سبقت كلمته : لأمْلأَن جهنم من الجنة والناس أجمعين، فلما سبق أعداء الله تعالى إليها لا يلقى فيها فوجٌ إلا ذهب فيها ولا يمَلأُها فتقول : ألستَ قد أقسمتَ لتَمَلأَنِّي فيضع قدمه عليها ثم يقول : هل امْتَلأتِ؟ فتقول : قَطْ قَطْ قد امتلأت وليس فِيَّ مزيد.
قوله تعالى :﴿ وَأُزْلِفَتِ الجنة ﴾ قربت وأدنيت وقوله :« غَيْرَ بَعِيدٍ » يجوز أن يكون حالاً من « الجنة » ولم يؤنث؛ لأنها بمعنى البُسْتَان، أو لأن « فَعِيلاً » لا يؤنث؛ لأنه بزنة المصادر، قاله الزمخشري ومنعه أبو حيان، وقد تقدم في قوله :﴿ إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِيبٌ ﴾ [ الأعراف : ٥٦ ] ويجوز أن يكون منصوباً على الظرف المكاني، أي مكاناً غير بعيد، ويجوز أن يكون نعتاً لمصدر محذوف أي إزلافاً غير بعيد، وهو ظاهر عبارة الزمخشري، فإنه قال : أو شيئاً غير بعيد.
فإن قيل : ما وجه التقريب مع أن الجنة مكانٌ، والأمكنة يقرب منها وهي لا تقرب؟ فالجواب من وجوه :
الأول : أن الجنة لا تزال ولا يؤمر المؤمن في ذلك اليوم بالانْتِقَال إليها مع بعدها لكن الله تعالى يطوي المسافة التي بين المؤمن والجنة فهو التقريب.
فإن قيل : فعلى هذا ليس إزْلاف الجنة من المؤمن بأولى من إزْلاَفِ المؤمنِ من الجنة فما فائدة قوله :« أزلفت الجنة » ؟
فالجواب : أن ذلك إكرام للمؤمن وبيان لشرفه، وأنه مِمَّنْ يمشى إليه.