﴿ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ ﴾ [ فصلت : ٣٠ ] أي بسبب مكروه يلحقكم في الآخرة. وقال تعالى :﴿ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ ﴾ [ القصص : ١٨ ] وقال :« إنِّي أَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ » لوحدته وضعفه هذا في أكثر الاستعمال وربما يتخلف ( المُدَّعَى عنه لكن الكثرة كافية ).

فصل


معنى الآية من خاف الرحمن فأطاعه بالغيب، ولم يره. وقال الضّحاك والسّدي : يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد. قال الحسن : إذا أرخى الستر وأغلق الباب.
﴿ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ﴾ هذه صفة مدح، لأن شأن الخائف أن يَهْرب، فأما المتقي فجاء ربه لعلمه أنه لا ينجي الفِرار منه.
وقوله :« مُنِيبٍ » أي مخلص مقبل على طاعة الله تعالى. والباء في « بِقَلْبٍ » إما للتعدية، وإما للمُصَاحَبة، وإما للسببية.
والقلب المنيب كالقلب السليم في قوله تعالى :﴿ إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [ الصافات : ٨٤ ] أي سليم من الشرك.
قوله :« ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ » الجار والمجرور حال من فاعل « ادْخُلُوهَا » أي سالمين من الآفات فهي حال مقارنة، أو مسلّماً عليكم فهي حال مقدرة كقوله :﴿ فادخلوها خَالِدِينَ ﴾ [ الزمر : ٧٣ ]. كذا قيل وفيه نظر، إذ لا مانع من مقارنة وتسليم الملائكة عليهم حال الدخول بخلاف فَادْخُلُوهَا خالدينَ فإنه لا يعقل الخلود إلا بعد الدخول، والضمير في « ادْخُلُوهَا » عائد إلى الجنة، أي ادخلوا الجنة بسلامةٍ من العذاب والهموم وقيل : بسلام من الله وملائكته عليهم.
قوله :﴿ ذَلِكَ يَوْمُ الخلود ﴾ قال أبو البقاء : أي ومن ذلكَ يَوْمُ الخلود كأنّه جعل « ذَلِكَ » إشارة إلى ما تقدم من إنعام الله عليهم بما ذكره، وقيل « ذَلِك » مشارٌ به لما بعده من الزَّمان، كقولك : هَذَا زَيْدٌ. قال الزمخشري : في قوله :﴿ ذَلِكَ يَوْمُ الخلود ﴾ إضمار تقديره : ذَلِكَ يَوْم تَقْرِير الخُلُود. ويحتمل أن يقال : اليوم يُذْكَرُ ويراد به الزمان المطلق سواء كان يوماً أو ليلاً، تقول : يَوْمَ يُولَدُ لِفُلاَن يكون السرورُ العظيمُ، ولو ولد له بالليل لكان السرور حاصلاً فالمراد به الزّمان فكأنه تعالى قال : ذَلك زَمَانُ الإقامة الدَّائِمَةِ.
فإن قيل : المؤمن قد علم أنه إذا دخل الجنة خلد فيها فما فائدة القول؟
فالجواب من وجهين :
الأول : أن قوله :﴿ ذَلِكَ يَوْمُ الخلود ﴾ قول قاله الله في الدنيا، إعلاماً وإخباراً، وليس ذلك قولاً يقولُه عند قوله :« ادخلوها »، فكأنه تعالى أخبر في يومنا أنَّ ذلك اليوم يومُ الخلود.
الثاني : أن اطمئنان القلب بالقول أكثر.
قوله :﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا ﴾ يجوز أن يتعلق « فيهَا » ب « يشاؤون » ويجوز أن يكون حالاً من الموصول، أو من عائِدِهِ والأول أولى.

فصل


ما الحكمة في أنه تعالى قال : ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ على المخاطبة، ثم قال :« لَهُمْ » ولم يقل : لَكُم؟
فالجواب من وجوه :
الأول : أن قوله تعالى :« ادْخُلُوهَا » فيه مقدر، أي فيُقَال لَهُمُ ادْخُلُوها.


الصفحة التالية
Icon