قوله تعالى :﴿ واستمع يَوْمَ يُنَادِ ﴾ هو استماع على بابه. وقيل : بمعنى الانتظار. وهو بعيد. فعلى الأول يجوز أن يكون المفعول محذوفاً، أي استمع نِدَاءَ المنادي، أو نداء الكافر بالوَيْل والثبور، فعلى هذا يكون « يَوْمَ يُنَادِي » ظرفاً ل « اسْتَمِعْ » أي استمع ذلك فِي يَوْم. وقيل : استمع ما أقول لك فعلى هذا يكون « يَوْمَ يُنَادِي » مفعولاً به أي انتظر ذَلِكَ الْيَوْمَ.
وَوَقَفَ ابن كثير على « يُنَادِي » بالياء. والباقون دون ياء. ووجه إثباتها أنه لا مقتضي لحذفها. ووجه حذفها وقفاً اتباع الرسم وكأن الوقْفَ محلّ تخفيفٍ.
وأما « المنادي » فأثبت ابن كثير أيضاً ياءَه وصلاً ووقفاً. ونافع وأبو عمرو بإثباتها وصلاً وحذفها وقفاً، وباقي السبعة بحذفهما وصلاً ووقفاً. فمن أثبت، فلأنه الأصل، ومن حذف فلاتباع الرسم. ومن خص الوقف بالحذف فلأنه محلّ راحة ومحلّ تغيير.

فصل


في « واستمعْ » وجوه :
الأول : أن يكون مفعوله محذوفاً رأساً، والمقصود : كُنْ مستمعاً ولا تكن مثلَ هؤلاء المُعْرِضين الغافلين، يقال : هو رجل سَمِيعٌ مطيعٌ، ولا يراد : مسموع بعينه.
الثاني : استمع ما يوحى إليك.
الثالث : استمع نداء المنادي.
فإن قيل :« استمع » عطف على « فَاصْبِرْ » وَ « سَبِّحْ » وهو في الدنيا، فالاستماع يكون في الدنيا وما يوحى ( يكون ) « يوم ينادي » لا يسمع في الدنيا.
فالجواب : أنه لا يلزم ذلك، لجواز أن يقال : صَلِّ وادْخُلِ الْجَنَّةَ أي صل في الدنيا وادخل الجنة في العُقْبَى فكذا ههنا.
ويحتمل أن يكون استمع بمعنى انْتَظِرْ. ويحتمل أن يكون المراد : تَأَهَّبْ لهذه الصيحة لئلا يَفْجَأكَ فيُزْعجكَ. والمراد بالمنادي : إما الله تعالى بقوله :﴿ احشروا الذين ظَلَمُواْ ﴾ [ الصافات : ٢٢ ] وبقوله :﴿ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ ﴾ [ ق : ٢٤ ] أو بقوله :﴿ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ﴾ [ النحل : ٢٧ ] ويحتمل أن يكون المراد بالمنادي : إسرافيل قال مقاتل : ينادي إسرافيل بالحشر يا أيتها الْعِظَامُ البالية، والأوْصال المتقطعة، واللحوم المتمزقة، والشُّعور المتفرقة، إن الله يأمركم أن تجْتَمِعُوا لفَصْل القضاء. أو يكون النداء للنفس فقال :﴿ ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى رَبِّكِ ﴾ [ الفجر : ٢٧ - ٢٨ ] إذْ ينادي المنادي هؤلاء للجنة، وهؤلاء للنار، ويحتمل أن يكون المنادي : هو المكلف لقوله :﴿ وَنَادَوْاْ يامالك ﴾ [ الزخرف : ٧٧ ]. والظاهر الأول؛ لأن اللام للعهد والتعريف. والمعهود السابق قوله :﴿ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ ﴾ [ ق : ٢٤ ].
وقوله :﴿ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ﴾ أي لا يخفى على أحد. وقيل : منْ صَخْرَة بَيْتِ المَقْدِس وهي وسط الأرض. قال الكلبي : هي أَقرب الأَرض إلى السماء بثمانيةَ عَشَرَ ميلاً.
قوله :« يَوْمَ يَسْمَعُونَ » بدل من « يَوْمَ يُنَادِي » و « بِالْحَقِّ » حال من « الصَّيْحَة » أي ملتبسة بالحق أو من الفاعل أي يسمعون مُلْتَبِسِينَ بسماع الحق.


الصفحة التالية
Icon