﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ﴾ [ الذاريات : ٥ ] فإن قلنا : المراد بقوله :« وما توعدون » الجنة فهو من الوعد، وإن قيل : المراد العذاب فيكون الخطاب مع الكفار.
قوله :﴿ فَوَرَبِّ السمآء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾ الضمير إما للقرآن، وإما « للدِّين »، وإما « الْيَوْم » في قوله :﴿ وَإِنَّ الدين لَوَاقِعٌ ﴾ [ الذاريات : ٦ ] و « يَوْمَ هُمْ » و « يَوْم الدِّينِ »، وإما للنبيّ - ﷺ - ودخلت الفاء بمعنى إنَّ ما توعدون لحق بالبرهان المبين ثم بالقسم واليمين أو للعطف على قوله :« والذَّاريات » مع إعادة المقسم عليه لوقوع الفَصْل.
وأقسم أولاً بالمخلوقات وههنا بربها تَرَقِّياً من الأدنى إلى الأعلى.
قوله :« مِثْلَ مَا » قرأ الأخوانِ وأبو بكر مِثْلُ بالرفع، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه خبر ثانٍ مستقلٌّ كالأَول.
الثاني : أنه مع ما قبله خبرٌ واحد، كقولك : هَذَا حُلْوٌ حَامِضٌ نقلهما أبو البقاء.
والثالث : أنه نعت لحَقٍّ و « ما » مزيدة على الأوجه الثلاثة و « أَنَّكُمْ » مضاف إليه، أي لَحَقٌّ مِثْلُ نُطْقِكُم، ولا يضر تقدير إضافتها لمعرفة، لأنها لا تتعرف بذلك لإبْهَامِهَا.
والباقون بالنصب، وفيه أوجه :
أشهرها : أنه نعت « لحَقّ » أيضاً كما في القراءة الأولى، وإنما بني الاسم لإضافته إلى غير متمكن، كما بناه الآخر في قوله :
٤٥٢٢- فَتَدَاعَى مِنْخَرَاهُ بِدَمٍ | مِثْلَ مَا أثْمَرَ حُمَّاضُ الجَبَلْ |
بفتح
« مثل » مع أنها نعت لِ
« دَمٍ » وكما بنيت
« غَيْرُ » في قوله - ( رحمةُ الله عليه ) - :
٤٥٢٣- لَمْ يَمْنَع الشُّرْبَ مِنْهَا غَيْرَ أَنْ نَطَقَتْ | حَمَامَةٌ فِي غُصُونٍ ذَاتِ أَوْقَالِ |
« غير » فاعل يمنع، فبناها على الفتح لإضافتها إلى
« أَنْ نَطَقَتْ » وقد تقدم في قراءة :
﴿ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ﴾ [ الأنعام : ٩٤ ] بالفتح ما يُغْنِي عن تقرير مِثْلِ هذا.
الثاني : أن
« مِثْلَ » ركّب مع
« ما » حتى صارا شيئاً واحداً، قال المازني : ومثله : وَيْحَمَا، وهَيَّمَا وَأيْنَمَا، وأنشد لحُمَيْد بن ثَوْر - ( رحمة اللَّهِ عليه رَحْمةً واسعةً - ) :
٤٥٢٤- أَلاَ هَيَّمَا مِمَّا لَقِيتُ وَهَيَّمَا | وَوَيْحاً لِمَنْ لَمْ يَدْرِ مَا هُنَّ وَيْحَمَا |
قال : فلولا البناء لكان منوناً.
وأنشد أيضاً :٤٥٢٥-............................ | فَأَكْرِمْ بِنَا أباً وَأَكْرِمْ بِنَا ابْنَمَا |
وهو الذي ذهب إليه بعض النحويين وأنشد :٤٥٢٦- أَثَوْرَ مَا أَصِيدُكُمْ أَمْ ثَوْرَيْنْ | أَمْ هَذِه الْجَمَّاءُ ذَاتُ القَرنَيْنْ |
وأما ما أنشده من قوله :
« وَأَكْرِمْ بِنَا ابْنَمَا » فليس من هذا الباب، لأن هذا
« ابنٌ » زيدت عليه الميم وإذا زدتَ عليه الميم جعلت النون تابعةً للميم في الحركات على الفصيح، فتقول : هذا ابْنُمٌ، ورأيت ابْنَماً ومررت بابْنِمٍ، فتجري حركات الإعراب على الميم ويتبعها النون.
وابنما في البيت منصوب على التمييز فالفتح لأجل النصب لا البناء، وليس هذه
« ما » الزائدة، بل الميم وحدها زائدة، والألف بدل من التنوين.