ثم إنه تعالى ذكر ما يدل على أنهم لا يجوز لهم أن يغتروا بشدة قوتهم فقال :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾ وإن كانت الزيادة في القوة توجب كون الناقص في طاعة الكامل فيجب عليهم الانقياد لله تعالى والخضوع لأوامره ونواهيه.
فإن قيل : صيغة أفعل التفضيل إنما تجري بين شيئين لأحدهما نسبة إلى الآخر لكن قدرة العبد متناهية، وقدرة الله لا نهاية لها والمتناهي لا نسبة لها إلى غير المتناهي فما معنى قوله :« أنَّ الله أَشَدَّ منْهُمْ قوة » ؟.
فالجواب : هذا ورد على قانون قولنا : الله أكبر، ثم قال :﴿ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ والمعنى أنهم يعرفون أنها حق ولكنهم يجحدونها كما يجحد المُودَعُ الوَدِيعةَ.
واعلم أنَّ نظم الكلام أن يقال : أما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وكانوا بآياتنا يجحدون، وأما قولهم :﴿ مَنْ أشد من اقوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ﴾ اعتراض وقع في البين لتقرير الداعي إلى الاستكبار.