ويحتمل أن يكون المراد بالمبين أي البراهين القاطعة التي حَاجَّ بِهَا فِرْعَوْنَ.
قوله :« فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ » الجار والمجرور حال من فاعل « تَوَلَّى » ومعنى « تَوَلَّى » أَدْبَرَ عن الإيمان. والباء للمصاحبة. والمراد بالركن أي بجمعِهِ وجنوده الذين كان يَتَقَوَّى بهم كالرُّكْن الذي يَتَقَوَّى به البُنْيَان، كقوله تعالى :﴿ أَوْ آوي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ [ هود : ٨٠ ].
وقيل : الباء للتعدية فتكون بمعنى تقوى بجنده. ويحتمل أن يكون المراد تَوَلَّى أمْر موسى بقُوَّتِهِ، كأنه قال : أقتل موسى لئَلاَّ يُبَدّلَ دينكم، فتولى أمره بنفسه، فيكون المفعول غير مذكور وركنه هو نفسه القوية. ويحتمل أن يكون المراد بركنه هامان فإنه كان وزيره.
قوله :﴿ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ « أو » هنا على بابها من الإبهام على السامع أو للشكّ نَزَّل نفسه مع أنه يعرفه بَيِّناً حقاً منزلة الشاكّ في أمره تمويهاً على قومه. وقال أبو عبيدة :« أو » بمعنى الواو، قال : لأنه قد قالهما، قال تعالى :﴿ إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [ الأعراف : ١٠٩ ]، وقال تعالى في موضع آخر :﴿ إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾ [ الشعراء : ٢٧ ]، وتجيء « أو » بمعنى الواو، كقوله :

٤٥٢٩- أَثَعْلبَةَ الفَوَارِسِ أَوْ رِيَاحاً عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةَ والخِشَابَا
ورد الناس عليه هذا وقالوا : لا ضرورة تدعو إلى ذلك. وأما الآيتان فلا يدلاَّن على أنه قالهما معاً، وإنما يفيد أنه قالهما أعم من أن يكونا معاً أو هذه في وقت وهذه في آخَرَ.
قوله :« وَجَنودَهُ » يجوز أن يكون معطوفاً على مفعول « أَخَذْنَاهُ » وهو الظاهر، وأن يكون مفعولاً معه. ﴿ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليم ﴾ أغرقناهم في البَحْرِ.
قوله :« وَهُو مُلِيمٌ » جملة حالية، فإِن كانت حالاً من مفعول « نَبَذْنَاهُمْ » فالواو لازمةٌ؛ إذ ليس فيها ذكر يعود على صاحب الحال، وإن كانت حالاً من مفعول « أَخَذْنَاهُ » فالواو ليست واجبة؛ إِذ في الجملة ذكرٌ يعودُ عليه. وقد يقال : إنَّ الضمير في « نَبَذْنَاهُمْ » يعود على « فِرْعَوْنَ » وعلى « جُنُودِه » فصار في الحال ذكر يعود على بعض ما شَمِلَه الضمير الأول. وفيه نظر، إذ يصير نظير قولك : جَاءَ السُّلْطَانُ وَجُنُودُهُ فأكرمتهم راكباً فَرَسَهُ، فتجعل « راكباً » حَالاً من بعض ما اشتمل عليه ضمير « أكرمتهم ».

فصل


ومعنى « مليم » أي أَتَى بما يُلاَم عليه من دعوى الربوبيّة وتكذيب الرسول.


الصفحة التالية
Icon